الاعتراف بالإعلام الإلكتروني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٤/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٥٨ ص
الاعتراف بالإعلام الإلكتروني

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

في الوقت الذي يفرض فيه الإعلام الإلكتروني نفسه في عالم اليوم كأحد الوسائل الحديثة التي تنقل الأحداث والفعاليات والأخبار على اختلافها، وتعاظم الاهتمام بهذا الإعلام بصورة كبيرة من قبل جميع شرائح المجتمع، بل أضحى الوسيلة الأسرع في نقل المعلومات والبيانات، ثم تعاطت دول العالم معه واحتضنته وأطرته من خلال التشريعات والقوانين، إلا إن الإعلام الإلكتروني في السلطنة لا يزال غير معترف به من جانب الجهات المختصة ولم يتم تنظيمه واستيعابه على نحو يخدم المصلحة العامة ويرفد وسائل الإعلام التقليدية بمعين جديد صاخب يصب في نهر الصالح العام، إذن فإن الوقت قد حان للالتفات بجدية لهذا الإعلام ومنحه الاهتمام الذي يستحقه، ومن ثم إخضاعه للنظم والتشريعات التي تنظمه تماما كالإعلام الآخر.

اليوم ليس هناك من يختلف معنا على أهمية الإعلام الجديد ودوره في تشكيل الرأي العام، وتأثيراته الإيجابية والسلبية على كل القضايا المحلية والإقليمية والدولية، عليه وبدون ذلك التنظيم المفترض يبقى عرضة للاجتهاد وللعشوائية وهو واقع لا ينبغي أن يستمر في ظل التوجهات الجديدة للدولة الرامية لبناء منظومة إعلامية إلكترونية فاعلة تُسخر لخدمة البلاد، فتعزيز هذا الجانب يتطلب الكثير من العمل والكثير من الجهد والكثير من التشريعات والقوانين ذات الصلة.
لا أعرف كيف يمكننا أن نتعقب مخرجات الإعلام الإلكتروني عبر باقات من القوانين البعيدة كل البعد عن الرحيق الإلكتروني الذي لا يُرى بالعين المجردة، ثم نعاقب المخالفين والمنتهكين لتلك القوانين ذات الصلة بجرائم لا تستطيع تلك القوانين استيعابها لتباين الوقائع والمشاهد إذ إن مسارح الجريمة لا تحدها حدود أصلا، ولا يستطيع الكلب البوليسي تقديم أي جهد يذكر هنا. وبالتالي لابد من إعادة تنقيح وتفعيل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 12/‏2011 وقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 65/‏2008 وقانون المعاملات الإلكترونية الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 69/‏2008، ليتسنى لتلك القوانين ملاحقة الثورة الإعلامية الإلكترونية ذات الموج الهادر، وإنشاء الآليات العدلية المتخصصة والمزودة بالكوادر العلمية القادرة على استيعاب هذا الزخم العارم.
فذلك يصب بالتأكيد في المنظومة الرامية لتأسيس وإقامة عمد وأركان إعلام إلكتروني فاعل يسهم في تعضيد الإعلام العُماني التقليدي وبما يحقق الأهداف الوطنية العليا.
إذا كنا ننتظر تشريعات إعلامية تنظم الإعلام بشكل كامل ولتغدو رديفا للقوانين الإلكترونية الصادرة، فإن عدم صدورها ليس معناه عدم الترخيص للجرائد الإلكترونية التي تقوم بدور حيوي كبير في أداء رسالتها الإعلامية وبسرعة متناهية يستوجب معها أن تنال الشكر والتقدير على هذا الدور الذي تقوم به في هذا المجال لدرجة أنها أصبحت مصدرا موثوقا به، وتحتاج معه للتعزيز والاهتمام الذي يجعلها تنطلق بشكل أفضل في أداء رسالتها.
لقد تصدت الصحف الإلكترونية بجرأة وشجاعة وبمسؤولية عالية لبعض الاستهدافات الخارجية المنطلقة من أوعية إلكترونية خارجة عن السيطرة في الدول التي انطلقت منها وأفلحت في توضيح وجهة النظر الأخرى والصحيحة، وبذلك فقد أدت دورا وطنيا تستحق معه الاعتراف بها وسن التشريعات التي تحتضنها.
إن بقاء هذه الصحف الإلكترونية معلقة بدون ترخيص أو غطاء قانوني يعزز من شخصيتها في الداخل والخارج كصحف معترف بها كغيرها في الدول الشقيقة والصديقة، من شأنه أن يقضي على صناعة الإعلام الإلكتروني الرصين والإيجابي والمؤثر في السلطنة، وهناك تجارب إعلامية بدأت ثم اندثرت لأسباب عديدة منها بدءا عدم ترخيصها وتنظيمها بنحو تعرف فيه أبعاد حقوقها وواجباتها كأحد مكونات المنظومة الإعلامية فهذا أمر لا مناص منه، كما إنه ليس هناك ما يمنع الاعتراف بها وترخيصها في السلطنة.
‏كما لا نغفل حقيقة أن هذه الصحف تساهم في استيعاب العديد من الكفاءات الإعلامية الوطنية وتمكينها من سبر أغوار العمل الإعلامي وهو ما يجب تقديره ودعمه بكل السبل التي تمكن هذه الوسائل من الاستمرار والتطور.
بالطبع الأخطاء واردة في الإعلام الإلكتروني أو في غيره فهو نتاج بشري في نهاية المطاف، ولكن ما يهمنا هنا أن نمنح تراخيص لممارسة العمل ووفق قوانين واضحة وخطوط عامة للمحظورات، والتوجيه المستمر نحو عدم الانجرار لمعارك إعلامية أو مهاترات لا طائل من ورائها، بل يجب أن يطبق على الإعلام الإلكتروني ما يطبق على الإعلام التقليدي فلا ضرر في ذلك.
نأمل أن تسرع وتيرة العمل الرامي لترخيص الصحف الإلكترونية وتنظيم عملها بما يخدم المصلحة العامة، فالتأخير ليس في صالحنا فالسباق محموم وعنيف ولن ينتظر أحدا.