دراسة تحذر.. تفشي الثنائية اللغوية قد تهدم الهوية العربية

مزاج الاثنين ٠١/مايو/٢٠١٧ ١٤:٤٧ م
دراسة تحذر.. تفشي الثنائية اللغوية قد تهدم الهوية العربية

القاهرة -العمانية
ثمة علاقة وثيقة بين الاهتمام باللغة القومية وبين تكريس الهوية لدى الشعوب، بما يسمح بالحفاظ على الإرث الثقافي وصد أيّ وافد غريب لا يتماشى مع قيم المجتمع وتقاليده.
وفي هذا الإطار جاءت دراسة الدكتور ضياء الدين زاهر، أستاذ التخطيط التربوي والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس، والتي صدرت أخيرا عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ضمن سلسلة "أوراق"، تحت عنوان "اللغة ومستقبل الهوية: التعليم نموذجًا".
ويقول المؤلف إن هذا الدراسة عبارة عن مقاربة استشرافية لجدلية العلاقة بين الهوية ولغة التعليم، وهي تنير الطريق أمام متخذي القرارات التعليمية، لتكون قراراتهم في مسارها الصحيح، لتحقيق الأهداف التي ترنو إليها من بناء أجيال من الشباب الأكثر انتماء، والأكثر إيمانًا وثقة في أنفسهم، وفي لغتهم، وليكونوا بناة نهضة أمتهم وحراس ثقافتها.
ويشير إلى أن الدراسة تسعى إلى بلورة رؤية مستقبلية تستهدف رسم مسارات للحفاظ على اللغة العربية، تدريسًا وبحثًا، بما يكفل تكريس الهوية العربية وتجديدها، ويتم استجلاء هذا من خلال تفحص دقيق لماهية الهوية وأنواعها ومحدداتها وأساليب تشكلها وعوامل هذا التشكل، ويتوازى مع ذلك تفهم موضوعي لمسارات اللغة العربية والعوامل المؤثرة فيها ومصادر التشوه اللغوي، ثم تبيان مصادر الخلل في أساليب تعلمها.
ويترافق مع هذا كله تحليل موازٍ للطبيعة الجدلية بين الهوية واللغة وعلاقات التأثير بينهما، الأمر الذي يقتضي معالجات نظرية وإمبريقية واستشرافية للمحاور سابقة الذكر. ويفترض المؤلف في دراسته أن الهوية عملية دينامية متغيرة بفعل ضغط التحولات والمستجدات الحضارية والمجتمعية، وأن اللغة العربية ليست مادة مستقلة أو موضوعًا فرديًا في مناهج التعليم. ويرصد المؤلف اتجاهات عينة البحث تجاه التحديات التي تواجه اللغة العربية الفصحى الآن وفي المستقبل في علاقتها بالهوية، وطبيعة التشوهات اللغوية وأسبابها، ودور المدرسة في تحديد مكانة اللغة الفصحى الآن وعلاقتها في المستقبل بالهوية، والموقف من التدريس باللغات الأجنبية والبحث بها وتداعياتها على الهوية، والموقف من معلم اللغة العربية وبرامج إعداده، والتعريب والترجمة وتداعياتها على اللغة والهوية، وتداعيات وسائل الإعلام على اللغة الفصحى والهوية.
ويقول إن أهم إشكاليات لغة التعليم وتداعياتها على الهوية تتمثل في عدم وجود سياسة لغوية، فبالرغم من الجهود المبذولة في مجالات تطوير اللغة العربية، إلّا أن نتائج هذه الجهود ما زالت مبعثرة ومحدودة، لعدم ارتباطها بسياسة لغوية تسعى إلى التمكين للّغة العربية، وتربطها بالسياسات التنموية القاصدة إلى تلبية الاحتياجات الاجتماعية والثقافية للفرد والمجتمع، وذلك باعتبار أن السياسة اللغوية دالة على المستويات الثقافية والعلمية لمجتمعهم. ويضيف أن الإشكالية الثانية تتمثل في تفشي الثنائية اللغوية كمعول هدم للهوية، وقد كان من تداعيات ظاهرة الولوع باللغات الأجنبية أن أصبحت اللغة العربية منبوذة بين النخب الاجتماعية التي تعلّم أبناءها لغة أجنبية أو لغتين منذ نعومة أظافرهم، ولا تلتفت إلى ضرورة إتقانهم العربية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على مستقبل إسهاماتهم العلمية، كما يجعلهم عاجزين عن التعبير الواضح عن أفكارهم بالعربية أو بغيرها، مما أسهم في ظهور ظاهرة المثقف (أو المختص) الأبكم الذي يعجز عن التعبير عن أفكاره بلغته القومية.
ويؤكد المؤلف أن من بين هذه الإشكاليات أيضًا تمكين العامية وإقصاء الفصحى، والتدني في مستوى المعلمين وكفاءتهن، كما أن التلاميذ أنفسهم تغيرت قيمهم وقيم آبائهم؛ بحيث أصبحت اللغة العربية لا تمثل قيمة اجتماعية أو اقتصادية أو مستقبلية بالنسبة لهم، وأصبح أقصى جهودهم أن يحفظوا بعض آيات القرآن الكريم ليؤدّوا بها الصلاة المكتوبة. ويشير إلى أن الفرص المتاحة أمام تعليم الفصحى في المدارس الأجنبية ومدارس اللغات والمدارس التجريبية وبعض المدارس الخاصة تكاد تكون منعدمة نظرًا لقلة الساعات التدريسية المخصصة لمقرر اللغة العربية الفصحى، هذا إلى جانب ضعف ممارسة الطالب لها داخل المدرسة مما يدعوه إلى التعالي عليها، ناهيك عن موقف المعلم نفسه من عدم الحماسة للّغة. ويوضح أن النخبة المصرية ترى أن أهم التحديات المجتمعية الآنية والمستقبلية التي تواجه وستواجه اللغة العربية وتحديد وزنها النسبي تتمثل في إخراج اللغة من معظم مؤسسات التعليم العام والجامعي كلغة تدريس للمعارف العلمية، وإدخال كلمات أجنبية كثيرة في اللغة العربية من خلال كتابتها بالحروف العربية دون تعريب لها، وانتشار تراكيب وصيغ وأساليب لا تمت بصلة إلى اللغة الفصحى ولا العامية مما يشكل لغة هجينة.