التفاوض على «نافتا»

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣٠/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:١١ ص
التفاوض على «نافتا»

جفري فرانكل

صرّحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنها ما زالت ملتزمةً بالوفاء بالوعد الذي قطعته في حملتها الانتخابية بشأن إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا»، والحقيقة أن الرئيس ترامب قد أعاد التأكيد مؤخراً على نيته اتخاذ الإجراءات الخاصة بإعادة التفاوض بشأن الاتفاقية قريباً (في غضون «الأسبوعين المقبلين»)، معلناً بذلك بدء فترة تفاوض مع الكونجرس تستمر لمدة 90 يوماً قبل بدء المحادثات مع الجانبين المكسيكي والكندي. ولو افترضنا حدوث ذلك- وهو أمر مستبعد للغاية- فإنه يجدر بنا التساؤل عن كيفية إعادة التفاوض على نحو صحيح.

بالطبع قد يقرر ترامب بكل بساطة التخلي عن وعده بإعادة التفاوض بشأن الاتفاقية، الأمر الذي قد لا يلقى استحساناً لدى الكثير من الأمريكيين، ولكن يراه الاقتصاديون مفيداً، خاصةً أن ترامب لم يفِ بالعديد من الوعود التي كان قد قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية، بما في ذلك (ولحسن الحظ) وعده المتكرر بتصنيف الصين كدولة تتلاعب بالعملة «في أول يوم» من توليه الرئاسة.
وثمة احتمال آخر يتمثل في محاولة ترامب الضغط على المكسيك- التي تُعدّ الهدف الرئيسي لخططه بشأن إعادة التفاوض- عن طريق زيادة التعريفات الجمركية في انتهاك للاتفاقية وقواعد منظمة التجارة العالمية. وفي هذه الحالة، سيتعيّن على المكسيك الرد على ذلك، بخاصة أنها تمتلك عدداً من الخيارات، من بينها إمكانية قيامها بزيادة التعريفات الجمركية لتصل إلى معدلاتها العالية المجمدة كما كان الحال قبل ذلك، وشراء المزيد من الذرة من البرازيل والأرجنتين والقليل من مزارعي الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، لا تُمثّل التجارة الخيار الوحيد الذي قد تلجأ إليه المكسيك للثأر من الولايات المتحدة، إذ تستطيع أيضاً السماح لمهاجري أمريكا الوسطى بالوصول إلى حدود الولايات المتحدة عبر الأراضي المكسيكية بدلاً من الوقوف عائقاً أمامهم كما تفعل حالياً، وأيضاً تستطيع المكسيك أن تقلل من تعاونها مع سلطات إنفاذ القانون بالولايات المتحدة في مجالات مثل الجرائم ذات الصلة بالمخدرات، بل إن الأمر الأكثر إزعاجاً هو أن يقوم الشعب المكسيكي بالرد على الابتزاز الأمريكي عن طريق اختيار صاحب النزعة القومية، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور كرئيس للمكسيك في العام 2018.
ولكن دعونا نحمل الأمر على ظاهره ونفترض أن إدارة الرئيس ترامب تريد إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية بحسن نية، ففي هذه الحالة، سيكون رد القادة المكسيكيين كالتالي: «حسناً، دعونا نتقبل هذا الأمر». والحقيقة أن الاتفاقية التي يبلغ عمرها 23 عاماً من الممكن تحسينها بطرق عديدة.
فبادئ ذي بدء، من الممكن توسيع نطاق الاتفاقية لتشمل القضايا التي لم تكن قد طرأت أثناء بدء التفاوض، مثل قضيتي التجارة الإلكترونية وتوطين البيانات، كما يمكن تعزيز إجراءات حماية العمال عن طريق ضمان حق العاملين في إنشاء نقابات مستقلة، وفرض حظر على عمل الأطفال، وتعزيز إنفاذ القانون ضد المتاجرين بالبشر.
وأيضاً، يستطيع المفاوضون التطرق إلى قضية تعزيز الحماية البيئية من خلال تفعيل إجراءات حماية المحيطات ووضع اشتراطات تتعلق بتنفيذ الحظر على قطع الأشجار غير المشروع والاتجار في الأنواع المهددة بالانقراض. ويمكن تدعيم تنفيذ هذه القضايا الإضافية عن طريق إيجاد آلية لتسوية النزاعات والتهديدات بفرض عقوبات تجارية تتوفر فيها مصداقية مماثلة لتلك التي ترتكز عليها تسوية حل النزاعات التجارية العادية.
وهناك أيضاً مجال لتعزيز الحماية ضد انتهاك المؤسسات التجارية لإجراء تسوية النزاع القائم بين الدولة والمستثمرين، فمثلاً يستطيع المفاوضون إضافة شروط تتعلق بالرفض السريع للدعاوى القضائية عديمة الجدوى، مثل الطعون المقدمة من قِبل عدد من الشركات متعددة الجنسيات ضد أحد القوانين الجديدة بحجة أن هذا القانون سيُحدّ من قدرتها على تحقيق الأرباح.
وأخيراً، يمكن توسيع نطاق الاتفاقية لتشمل المزيد من الدول، إذ سيسهم إدراج بعض الدول من أمريكا الجنوبية، مثل بيرو وتشيلي، وغيرها من قارة آسيا والمحيط الهادي في بناء نهج متعدد الأطراف قد يثمر فوائد ملموسة. ورغم أن إدارة الرئيس ترامب قد أعربت عن تفضيلها لعقد صفقات تجارية ثنائية، إلا أنه سيكون من السهل عقد صفقات ذات منفعة متبادلة عندما تشارك المزيد من الدول.
فعلى سبيل المثال، يرغب منتجو الألبان في الولايات المتحدة في أن تقوم كندا بخفض القيود المفروضة على وارداتهم في الوقت الذي ترغب فيه كندا في أن تقوم اليابان بإزالة القيود المفروضة على منتجاتها من لحم الخنزير والبقر وتجارة الخشب أكثر من أي شيء تريده من الولايات المتحدة. ولذا، فإن إضافة اليابان إلى المجموعة قد يمثل أفضل طريقة تستطيع الولايات المتحدة من خلالها الحصول على ما تريده من كندا. وأيضاً فإن إضافة اليابان وغيرها من الدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية من المرجح أن يفي بالمتطلب الرئيسي الخاص بإبرام اتفاقية تجارة فعّالة: وهو أن يرى أعضاء الاتفاقية بوضوح فرص الاستثمار التي من المتوقع الحصول عليها.
وأيضاً فإن إدراج المزيد من الدول في النافتا قد يكون مفيداً من جهة أخرى، إذ سيسهم ذلك في تسهيل تعامل الشركات مع قواعد المنشأ التي تنظم العديد من اتفاقيات التجارة بالولايات المتحدة. تهدف قواعد المنشأ إلى منع المنتجات- التي يجري تجميعها في الدولة الموقعة ولكن تستفيد كثيراً من قيمتها المضافة في مكان آخر- من أن تحظى بالإعفاء من الرسوم الجمركية.
تتسم القواعد الحالية بأعبائها الثقيلة للغاية حتى إن بعض المستوردين الأمريكيين يفضلون ببساطة الاستغناء عن مزايا اتفاقية النافتا- وما يصاحبها من أعمال إدارية- ويلجأون عوضاً عن ذلك إلى سداد التعريفة العادية المنخفضة المفروضة على المنتجات التي لا تقع في نطاق الاتفاقية، في الوقت الذي يسعى فيه مستشار البيت الأبيض، بيتر نافارو إلى جعل قواعد المنشأ أكثر صعوبة عن طريق زيادة حصة المحتوى المحلي المطلوبة حتى يكون المنتج مؤهلاً للإعفاء من التعريفات الجمركية، إذ يرى أن هذا الإجراء من شأنه أن يسهم في زيادة القيمة المضافة المحلية في تجارة أمريكا الشمالية، غير أن النتيجة المحتملة لذلك هي استغناء المزيد من الشركات المستوردة عن مزايا الاتفاقية وسداد القيمة العادية للتعريفة الأمريكية والتي يبلغ متوسطها 3.5 %.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل أصبح إعادة التفاوض بشأن اتفاقية «نافتا» بما يضمن تغطية قضايا جديدة، وتعزيز العمل والحماية البيئية، وتحسين آليات تسوية النزاع، وإضافة المزيد من الدول إلى الاتفاقية حلماً بعيد المنال؟ وهل بات من المستحيل التفاوض بشأن اتفاقية جديدة تتضمن جميع هذه الخصائص المنشودة؟ حسناً، لقد نجح مفاوضو التجارة بالفعل في التوصل إلى اتفاقية تشتمل على الخصائص نفسها، وقد عُرفت هذه الاتفاقية باسم اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي رفضها ترامب. إن الطريقة المثلى حقاً لتحسين اتفاقية «نافتا» تتطلب العودة إلى ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي.

أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.