طلاب عاشقون للعلم

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
طلاب عاشقون للعلم

د. محمد ناجي الكـعـبي

يحلم ويتمنى الكثير من الآباء والأمهات أن يصبح أبناؤهم وبناتهم مُحبين للعلم والمدرسة والرياضيات. وهذه أمنية تراود الأهل في أمريكا كما أنها تراودنا كآباء في بلادنا العربية. فالأهل عادة ما يتمنون أن يكون أبناؤهم أفضل منهم أكاديميا وماليا وأدبيا...إلخ، ولكن كيف والحياة قد تبدلت مع ظهور العديد من المغريات التي تُلهي الطالب عن دراسته ممثلة بالأجهزة الرقمية (الحواسيب على اختلافها والهواتف الذكية التي تجمع ما بين صفات الحاسوب والهاتف وآلة التصوير). وهناك اليوم الساعات الذكية والألعاب...إلخ. ولتجاوز إغراءات العصر الحالي قام المُعلم سلمان (سال) خان (Salman Khan) صاحب أكاديمية خان الشهيرة بإنشاء مدرسة صغيرة في كاليفورنيا لاختبار الأفكار اللامعة في مجال التعليم، وقد أطلق عليها اسم مدرسة مختبر خان (Khan Lab School)، وهي مدرسة مُستقلة مرتبطة مع أكاديمية خان، وشعارها «الكل معلمون. والكل طلاب (Everyone›s a teacher. Everyone›s a student)». ويبدأ الدوام في هذه المدرسة الساعة الثامنة والنصف وينتهي الساعة السادسة مساء. ولا توجد في هذه المدرسة واجبات بيتية (Homework)، ولا توجد درجات وتقديرات للطلاب فيها!

وتسعى هذه المدرسة إلى جعل طلابها يتقنون كل ما تضمه المناهج الدراسية وبالسرعة التي تلائمهم. لم يكن بمقدور المدارس الحكومية المجانية سابقا تحقيق الإتقان لكل طالب، من خلال إضفاء الطابع الشخصي التعليمي لكل من الـ30 طالبا الموجودين في الصف الواحد، ولكن الآن وبفضل التكنولوجيا أصبح بالإمكان إضفاء الطابع الشخصي لتعليم كل طالب موجود في الصف. ويقول مؤسس هذه المدرسة الأستاذ سلمان خان: إنه يسعى من خلال هذه المدرسة إلى إنشاء نموذج أفضل للتعلم.

وتتميز هذه المدرسة باحتوائها على صف واحد يضم تحت سقفه طلابا تتراوح أعمارهم ما بين الـ5 و13 سنة، وهذا مخالف لما هو متبع ومعهود في المدارس التقليدية والتي تضم صفوفا تحوي طلابا من عمر واحد، أو طلابا تكون أعمارهم متقاربة ولا يزيد فرق العمر بينهم على سنتين. وأجاب سلمان خان على استغراب البعض على التفاوت العمري لطلاب الصف الواحد بالقول: إن الإنسان ومنذ 200 ألف سنة كان يتناقل العلم بأسلوب تعليم الكبار للصغار، ولكن منذ 150 عاما ومع ظهور المدارس الحديثة بدأ تقسيم الطلبة وفقا لأعمارهم وجنسهم...إلخ. وأضاف أن الطالب الصغير يمكنه التعلم من الطالب الأكبر منه سنا وبشكل أفضل، وبذلك سيؤدي الطالب الأكبر سنا دور مساعد التدريس (Teaching assistant)، وبذلك يتعلم الأطفال باكرا تحمل المسؤولية وأن يكونوا مُعلمين. ومن بديهيات الحياة حب الطفل للعب مع أطفال من عمرهم، وأيضا التعلم من أطفال يكبرونه بضع سنين. وتم تطبيق فكرة مساهمة الأطفال الأكبر سنا في تعليم الأطفال الأقل سنا مادة الرياضيات بشكل أساسي. وأضاف أن مجموعات الطلاب في مدرسته تتغير وهي ليست ثابتة.
وقد لاقت فكرة هذه المدرسة استغرابا لدى البعض لأنها اعتبرت أكاديمية خان أكبر مدرسة افتراضية (Virtual School) في العالم، فكيف لها أن تنشأ مدرسة حقيقية (brick-and-mortar school) تضم أبنية وصفا ومكتبة...إلخ! ويجيب سلمان أن أكاديميته في الواقع لا تمثل بديلا عن المدارس التقليدية، وإن أكاديميته الافتراضية تهدف إلى أن تكون مصدرا وموردا لتحرير المدارس التقليدية من أساليب التعليم التقليدية. وتسعى هذه المدرسة لبلوغ هدفها الرامي إلى توفير التعلم المُتقن (Mastery-based learning). ومن مزايا هذه المدرسة أن إنجاز طلبتها لمُختلف الواجبات غير مقيد بوقت، ولكن يلزم على الجميع إنجاز المطلوب، والإنجاز السريع المتقن يؤدي إلى النجاح والانتقال لصف (مستوى) أعلى.
وتتميز هذه المدرسة أن المنهاج الدراسي (curriculum) يمتد طوال السنة، ولا توجد إجازة صيفية للطلبة والكادر التعليمي! وقد أثارت هذه الميزة حفيظة البعض. وقد اعترض عليها المعلمون ونقابتهم، وقالوا إن ما يتقاضونه لا يفي، فكيف لهم أن يقبلوا أن يكون الدوام اليومي في المدرسة لفترة أطول وطوال السنة! وقد أيد سلمان مقترح زيادة رواتب المعلمين والمعلمات. وبرر سلمان خان ذلك أن السبب وراء تقدم الصين على الولايات المتحدة في مجال التعليم الثانوي يعود أساسا إلى طول الفترة التي يقضيها الطالب الصيني مقارنة بنظيره الأمريكي في المدرسة، لذا يرى سلمان أن على الطالب الأمريكي أن يمضي وقتا أطول في المدرسة الثانوية، ويتفرغ في الدار فقط لتناول الطعام مع العائلة ومجالسة الأهل والنوم والراحة، وبدون أن يكون لديه أية واجبات مدرسية. ورأى أن الإجازة الصيفية تمثل إهدارا لوقت الطالب، كما أنها تؤدي إلى نسيان الطالب للمعلومات التي تعلمها سابقا. وقد استند سلمان خان في رأيه هذا على اختبار عالمي يحمل اسم البرنامج العالمي لتقييم الطلبة (Programme for International Student Assessment) والمعروف اختصارا باسم بيزا (PISA)، وقد شاركت في هذا الاختبار 34 دولة في سنة 2012، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت نتائج طلاب المدارس الثانوية الأمريكية والذين تبلغ أعمارهم 15 سنة في الرياضيات والعلوم والقراءة ضمن 34 دولة مشمولة بالتقييم كان 27 و 20 و 17 على التوالي. لقد كانت هذه النتائج صادمة للكثير من التربويين الأمريكان. فقد لاحظ هؤلاء أن زيادة الإنفاق على التعليم لا تؤثر إيجابا على النتائج، لأن هناك دولا مثل سلوفاكيا تنفق على الطالب نصف ما تنفقه الولايات المتحدة على طلابها، وقد حصلت هذه الدول على نتائج مقاربة لتلك التي حصلت عليها الولايات المتحدة. ودلت نتائج الاختبار هذا على أن للخلفية الاجتماعية والاقتصادية (socio-economic) للطالب الأمريكي تأثير مباشر على نتائجه. وأظهر الاختبار أن هناك علاقة طردية ما بين الالتزام بالمواعيد والحضور إلى المدرسة من جهة والنتائج التي يحققها الطلاب من مختلف دول العالم من جهة أخرى.
هناك العديد من قصص النجاح التي حققتها هذه المدرسة وطلابها، فعلى سبيل المثال لا الحصر أورد موقع فوربز (Forbes) قصة الأختين اللتين كانتا تدرسان في أفضل مدرسة في وادي السيليكون (Silicon Valley)، واللتان عانتا كثيرا في الرياضيات، وبالتالي كرهتا هذه المادة، ولكن انخراطهما ضمن مدرسة مختبر خان ساهم في تحول الكراهية إلى حب وبزمن قياسي. وحينما سألتا عن سبب ذلك، أجابتا بأنهما أعطيتا الوقت الكافي للتعلم والأدوات اللازمة. وذكرتا أن هذه المدرسة خالية من الضغوط التي تلزم الطالب للانتقال إلى المستوى الأعلى قبل أن يكون الطالب قد أتقن المستوى الحالي. ويتم تحديد الثغرات في الفهم من قبل الأساتذة والأدوات البرمجية المتوافرة في هذه المدرسة، ومن ثم يتم تشجيع الطالب على تجاوز وسد هذه الثغرات ويعطى الطالب الوقت الكافي لفهم الأفكار الضرورية. وأورد تلفزيون صوت أمريكا قصص الطلاب الذين يستيقظون باكرا وكلهم رغبة وشوق للذهاب إلى المدرسة، بعكس مدارسهم السابقة والتي كانوا يفضلون عدم الاستيقاظ والبقاء نائمين ويكرهون الذهاب إليها. واستغرب الأهل من هذا الحب للمدرسة الذي لم يلحظوه في حياتهم، فالأبناء يحبون ويفضلون الذهاب إلى المدرسة حتى حينما يكونوا مجهدين أو مرضى!

كلية البريمي الجامعية