مآلات انهيار اليمن!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٤ ص
مآلات انهيار اليمن!

علي ناجي الرعوي

من الواضح أن اليمن أصبح مغلقا على ما يدور داخله بعد أن عزله التهميش الإعلامي عن العالم الخارجي أجمع في مشهد علت فيه المصالح السياسية والاقتصادية عن كل القيم الإنسانية بل إن ما لا يمكن إخفاؤه أو التغاضي عنه أن مثل هذا التهميش المريب والتجاهل المتعمد حول ما يدور في هذا البلد بات يمثل حلقة من حلقات أهداف الحرب المشتعلة على أرضه منذ أكثر من عامين لتغدو أرقام الضحايا الذين يتساقطون يوميا بالعشرات مجرد أرقام لا معنى لها ولا تشكل فارقا بالنسبة لصناع القرار داخل أروقة مجلس الأمن الدولي أو منظمة الأمم المتحدة طالما وأن أجندات هذه الحرب متسقة مع مصالحهم وتصب في خدمة سياساتهم المتبعة في المنطقة، ولذلك فليس علينا أن نسأل لماذا كاد أن ينسى الجميع أن هناك حربا يكتوى بسعيرها الملايين من البشر في بقعة من العالم اسمها اليمن؟ ولماذا تظهر هذه الحرب التي أنتجت أفضع وأبشع المآسي الإنسانية كما تقول الأمم المتحدة بعيدة عن أنظار الضمير العالمي وغائبة ومغيبة عن الإعلام العالمي؟ وأكثر من هذا لن نسأل كيف فقدت الأمم المتحدة دورها في قضايا اليمن وملفها الدولي لينتهي بها المطاف إلى اختزال هذا الدور بالتصريحات وإبداء القلق والشعور بالأسى ودعوة من قاموا بتجويع اليمن وفرض الحصار عليه للاجتماع في اليومين الفائتين بجنيف من أجل التبرع له بالفتات بدلا من الضغط على كل الأطراف لإنهاء الحرب وفك الحصار والاتجاه نحو تبني الحلول السلمية التي توقف نزيف الدم اليمني.

إن الحرب القائمة في اليمن بشقيها الداخلي والخارجي مهما كانت مبرراتها ودوافعها ليست كمثل أي حرب قد تنتهي بانتصارات جزئية أو بخيبات أمل كبرى إذ إنها بما تحمله من التناقضات الجمة لن تفضى إلى أي من الحالتين وإنما هي حرب ستولد حروبا أخرى تحت لافتات جهوية ومذهبية وقبلية وهذه الحروب ستأتي مدفوعة بنوازع الثأر والانتقام وأمامها لن تتمكن دول التحالف بإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية وطائراتها وبوارجها الحربية من إيقافها وتجنب آثارها والشرر المتطاير عنها وربما تجد تلك الدول نفسها مضطرة تحت دافع إخماد النار المشتعلة في خاصرتها تتشارك مع فرقاء الصراع في هذا البلد السير وسط حروب تتسيدها الأفكار المتطرفة وتتقاسمها الجماعات المتناحرة دون الالتفات لمخاطر هذا المسار المحفوف بالأشواك والتعرجات.
بعد عامين ونيف على بدء عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن تتباين المواقف في قراءة حصيلة هذا التدخل العسكري بالنظر إلى الثمن الباهظ الذي يدفعه اليمن ودرجة الاستنزاف التي تتكبدها دول التحالف ومع ذلك فإن هذه الحرب تبقى غير بعيدة عن إمكانية إيجاد الحلول الوسط لها غير أن ما يعيق البحث عن تلك الحلول في الوقت الراهن هو شعور التحالف العربي بأنه الذي لم يصل بعد إلى مجمل الأهداف التي خطط لتحقيقها من وراء (عاصفة الحزم) وتدخله العسكري في اليمن وفي مقدمة تلك الأهداف كما يقول التحالف إعادة التوازن الاستراتيجي في الإقليم وامتلاك المزيد من الأوراق الضاغطة التي تسمح له بإيقاف التمدد الإيراني في المنطقة انطلاقا من الساحة اليمنية.
مثل هذا التبرير بدا مقبولا للكثيرين من المنظومة الإقليمية والدولية وتقف الولايات المتحدة الأمريكية بإدارتها الجديدة في صدارة من يقفون إلى جانب خطة التحالف العربي باستمرار عاصفة الحزم لستة أشهر مقبلة على الأقل باعتبار أن خطة كهذه تتفق مع استراتيجية ترامب الهادفة إلى احتواء إيران والتضييق عليها والحد من نفوذها في المنطقة وهو ما كشفت عنه التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع جيمس ماتيس والتي حملت رسالتين أولهما تتعلق بالصواريخ التي تطلقها صنعاء على الأراضي السعودية والتي دعا إلى إيقافها فورا، أما الرسالة الثانية فهي رفضه إنشاء حالة مشابهة لحزب الله في لبنان وهو ما يعني أن إدارة ترامب لا تخفي دعمها للتحالف ورغبتها أيضا في حسم الصراع في اليمن لصالحه، وإن كان يؤكد فرضية أن ما يجري في اليمن هو صراع خليجي-إيراني فإن الذي يفقد بعض وجاهته عند قراءة الصورة بأكملها التي تعكس في العديد من جوانبها أن العمليات العسكرية للتحالف ومهما طال أمدها فإنها وإن نجحت في القضاء على أحلام أنصار الله بالتفرد في حكم اليمن فإنها التي لن تستطيع القضاء عليهم كفصيل يمني وإرغامهم على إنهاء صلتهم بإيران مع أن وقائع كثيرة تستبعد قيام أي تحالف استراتيجي بين هذا الفصيل اليمني وإيران على النحو الذي نراه ماثلا بين إيران والفصائل العراقية أو السورية بحكم قلة خبرة الإيرانيين بالشأن اليمني وضعف معرفة اليمنيين بإيران.
ما يزيد الصورة قتامة أو يزيد القتامة شمولا أن حبال المشهد اليمني تتشابك يوما بعد يوم لتصبح أكثر خطورة من القنابل التي تلقيها طائرات التحالف منذ أكثر من عامين، إذ تعزز بعض الجماعات الإرهابية و الخارجة عن القانون مواقعها في البلاد وعلى رأس هذه الجماعات يأتي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والذي يعتبر أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم، وإلى جانبه يتمدد أيضا تنظيم (داعش) وأخطر من كل ذلك تبرز حالة التهتك التي تدمر جسد الدولة وقبله النسيج الاجتماعي الذي يتمزق ويتشظى جماعات وفرادى في إطار كانتونات ودويلات يبحث كل منها عن حاضنة ونصير إقليمي ودولي يحتمي به حينما يحين موعد الانهيار الأخير، وبالذات إذا ما تركت اليمن تتقسم على أسس طائفية وجغرافية إذ إن مثل هذا التقسيم لن تتوقف عواقبه الوخيمة على اليمن فحسب بل إن انعكاساته الكارثية ستصيب الإقليم بأكمله ولن يسلم من ارتداداتها أحد.. وهذا الاستنتاج وإن بدا غريبا أو صادما للكثيرين لكنه النتيجة الحتمية التي قد نصل إليها عندما نقرأ التاريخ.

كاتب يمني