«التاجر النبيل»

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٣ ص
«التاجر النبيل»

جمال زويد

استرعى انتباهي خبراً قرأته في نهاية العام الفائت، يتعلق بأحد الأثرياء الهنود، وهو أجاي مونوت، تاجر القماش والقمح المعروف في ولاية ماهاراشترا في الهند الذي ابتكر طريقة جديدة للاحتفال بزفاف ابنته وألقى حجراً في المياه الراكدة خالف به السائد من ممارسات ومراسم يتكلّف فيها الناس أموالاً يصبّ -ربما- غالبها في خانة البذخ غير المبرّر.

لقد قرر هذا الغني الحصيف وآثر أن يصرف الأموال المخصصة للاحتفال بزفاف ابنته في بناء (90) منزلاً للمشردين عوضاً عن أن يجري هدرها في مجرّد احتفالات الزفاف. وبلغت كلفة بناء هذه المنازل مبلغاً وقدره (220.920) دولارا أقامها على مساحة اثنين فدان من الأراضي، زودت بالماء والكهرباء. وجعل من حفل الزواج مناسبة لأن يقوم كل من العروس والعريس بتسليم هؤلاء الفقراء مفاتيح منازلهم. وقالت العروس (شيارا) ابنة التاجر الهندي «أنا سعيدة جدا باتخاذ هذا القرار وهو بمثابة هدية الزواج بالنسبة إلي».

رجل الأعمال الهندي أجاي مونوت قال بهذه المناسبة: «إن على جميع أصحاب الأموال المبادرة إلى فعل شيء من هذا القبيل بمناسبة حفلات زواج أبنائهم، إذ يوجد لدينا نحن الأغنياء مسؤولية تجاه مجتمعنا ويجب علينا تقديم المساعدة قدر الإمكان».
خطوة هذا الرجل هي نموذج يستدعي التمعن فيه وضرورة الاحتذاء والعمل به. لأسباب عدة، لعل أولها إحياء قيمة المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن يتحمّلها ويتجمّل بها الأغنياء والأثرياء القادرون على ضخّ الأموال لمعالجة نواحي قصور أو سدّ حاجات أو إغاثة فقراء ومشرّدين لا يصحّ أن يتم تركهم يعيشوا حياة العدَم والعوز في أوساط المتخمين خاصة في مجتمعاتنا التي بات الغني يزداد فيها غنى في ذات الوقت الذي يزداد فيه الفقير فقراً!
ورغم التطور الكبير من حولنا، إلاّ أن هذه المسؤولية لم يجر التوسع فيها بقدر كاف أو لم يُستفاد منها بالشكل الصحيح إذ اقتصرت الكثير من المؤسسات والبنوك -ومعهم الأفراد- على توجيهها للدعاية والإعلام، ودفعت بها نحو الرعاية لمناسبات ومسابقات ومباريات ومهرجانات من دون أن ينتج عنها مبادرات ومشاريع تحقق الأثر المقصود لمفهوم المسؤولية الاجتماعية حسبما عرّفها -مثلاً- مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة بأنها «الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقيا والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل».
إنه لأمر محزن أن نسمع ونقرأ ونشاهد في كثير من بلداننا الإسلامية عن أفراح وحفلات زواج تُقدّر نفقاتها في خانة الملايين، تُهدر فيها بكل (برود) صنوف من الأموال والمجوهرات من ذهب وألماس، ويُستقدم لها فنانين من شرق الأرض وغربها، ويُقدّم فيها ما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات التي يذهب غالبها فيما بعد إلى حاويات القمامة، فساتين وجواهر وحتى ورود يجلبونها من أقاصي الدنيا. لا تسألوا في تلك المراسم عن الإسراف والبذخ الذي لو صرفوا نصفه أو حتى ربعه لسدّوا به أفواها جائعة أو ألبسوا به أجساداً عارية أو أنقذوا مرضى عجزت جيوبهم عن دفع تكاليف العلاج أو أسعدوا أسراً تنتظر الحصول على سكن أو ابتعثوا طلاباً حالت إمكانياتهم عن مواصلتهم الدراسة الجامعية أو ما شابه ذلك من حاجات باتت تتعاظم في مجتمعاتنا من دون أن يساهم المتخمون والمترفون -أفراداً ومؤسسات- في تحمّل مسؤولياتهم تجاههم، ويضحّوا بصور وأسباب فرح (وقتيّة) لا تقدّم ولا تؤخر، ولا تُقارن بفرحة أن تكون عضواً مسؤولاً وعطوفاً ورحيماً بمن هم حولك وفي محيطك ومجتمعك ممن سيقدّرون -هم وأجيالهم من بعدهم- مدى القرب أو البعد عن حياة الناس ومعيشتهم، وسيذكرون مقدار البذل والعطاء وكذلك التضحية التي يقدّمها الكبار لتقليص ذات الوقت الفجوة بينهم وبين مجتمعهم المنهك بمشاكل وقضايا آن الأوان لسدّها ودفع استحقاقاتها.
بالطبع ليست مراسم الزفاف هي المعنية في مقالي على وجه الحصر والقصر، وإنما هناك مناحي ومجالات كثيرة ومتعددة يمكن وقف نزيف الأموال منها وتوجيهها بالطريقة نفسها التي فعلها رجل الأعمال الهندي أجاي مونوت.

كاتب بحريني