الأطفال.. قنبلة موقوتة لمرحلة ما بعد التحرير «الوشيك» هل يظل شبح داعش يطارد الموصل؟

الحدث الثلاثاء ٢٥/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
الأطفال..
قنبلة موقوتة لمرحلة ما بعد التحرير «الوشيك»

هل يظل 

شبح داعش 
يطارد الموصل؟

مسقط – محمد البيباني

«راية داعش» ستسقط على أسوار الموصل والنصر قادم للعرب والعراقيين، وسننجز المعركة خلال الأسابيع المقبلة».

كلمات، قالها رئيس التحالف الوطني العراقي عمار الحكيم، في مؤتمر صحفي بمقر سفارة العراق في القاهرة منذ أيام قليلة فائتة.
رغم الإشارات العديدة التي تأتي تباعاً من الموصل العراقية، والتي تؤكد جميعها أن تحريرها من قبضة تنظيم داعش الإرهابي أصبح وشيكاً، إلا أنه يقينا لن تنتهي أزمات الموصل بإعلان تخلصها من ذلك التنظيم التي كبدها خسائر ربما تحتاج عقوداً لتلافي آثارها والتخلص من تبعاتها...
لعل الأضرار التي أصابت الحجر، على جسامتها، أقل بكثير من تلك التي أصابت البشر جراء ممارســـات وحشية طالتهم على مدار ما يقارب ثلاثة أعوام منذ أن سيطر داعش على مدينة الموصل في صيف العام 2014 زادت تلك المعاناة خلال الفترة الأخيرة وتحديداً من انطلاق عملية تحرير المدينة.
الأطفال كانوا أكثـــر الفئـــات التي تضررت خلال السنوات الثلاث الفائتة، ومن المؤكد أن تلك الأضرار النفسية التي لحقت بهم ستنعكس على مستقبل الموصل والعراق كله.
أطفال الموصل «محاصرون» بين الصدمات النفسية والتفجير والتجنيد.
الصدمات النفسية التي تعرض لها أطفال الموصل ومشاهد القتل وجز الرؤوس لا شك أنها ستسهم في تشكيل جيل قادم يميل إلى العنف ولا يأبه بمشاهدة الدماء وهو الأمر الذي بالقطع سيؤثر على مستقبل العراق بأكمله.
في أواخر ديسمبر الفائت أكدت منظمة العفو الدولية، في تقرير، أنّ الأطفال الذين حوصروا في معركة الموصل، يعانون من «إصابات مرعبة» و»رأوا أشياء لا ينبغي لأحد أن يراها».
وقالت كبيرة المستشارين لمواجهة الأزمات في منظمة العفو الدولية دوناتيلا روفيرا، التي قادت البعثة «لقد شاهدت أطفالاً لم تلحق بهم إصابات مرعبة فحسب، وإنما رأوا رؤوس أقربائهم وجيرانهم تقطع بسبب انفجار قذائف الهاون، أو يتحولون إلى أشلاء نتيجة انفجار السيارات المفخخة أو الألغام، أو يسحقون تحت ركام المنازل».
وأضافت: «يجد الأطفال الذين جُرحوا بسبب الحرب أنفسهم بعدئذ في مستشفيات تكتظ بالمرضى، أو في مخيمات للنازحين، إذ تزيد الظروف الإنسانيـــة البائسة من صعوبة تعافيهم جســـديـــاً ونفسيـــاً ما لحق بهم، بينما يستمر حصار آخرين كثر في مناطق يضطرم فيها القتال».
وفي التقرير يروي جوردو (13 عاماً) ما تعلمه خلال سنتين قضاهما أسيراً لدى التنظيم الإرهابي. وقال: «تُمسك بالفتى من شعره وتشده لترفع رأسه بقوة إلى الأعلى حتى تتمكن من حز عنقه، وإذا لم يكن لديه شعر، تغرس أصبعيك في أنفه لرفع رأسه، علموني هذا وعلموني كيف أقتل بطرق عديدة أخرى».

هل يتركون السلاح؟

منذ أن سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل في صيف العام 2014، لم يألُ جهدًا للعبث بعقول الأطفال في المدارس وتشكيلها بناء على معتقدات التنظيم، ولكن بعد نجاح القوات العراقية - بمساعدة التحالف الدولي - في طرد التنظيم من شرق المدينة، يواجه معلمو المدارس معضلة كبيرة تتمثّل في كيفية محو أفكار العنف والقتل من عقول الأطفال.
هذا ما تتناوله كاترين كانتز بالبحث والاستقصاء في مقالها على موقع النسخة الدولية من مجلة «دير شبيجل» الألمانية.
في صبيحة أحد أيام شهر مارس الفائت – تستهل كانتز بالقول – وقف عشرات الأطفال أمام مدرستهم الابتدائية، التي تقع بجوار بنايات مدمرة وسيارات محترقة شرقي الموصل. وعند سؤالهم عما تعلموه في الشهور الفائتة، كانوا يردّون بحماس شديد «تعلمنا القتال على يد داعش!». إذ كان المدرسون عناصر تابعة للتنظيم.

مفخخات في كتب الدراسة

يقول أحد الطلاب «احتوى كتاب الرياضيات على صورة لشاحنة مفخخة يقف عليها أحد عناصر داعش». وقال آخر «كانوا يسألوننا من الأفضل، الجيش العراقي أم الدولة الإسلامية؟ فكنا نصيح قائلين: الدولة الإسلامية!»
أزال التنظيم الصور كافة من الكتب المدرسية، باستثناء صور أفراده – تؤكد كانتز. وامتدت أيادي التنظيم لرمي طفل من أعلى بناية، ونزع أحشاء عم أحد التلاميذ.
أمر التنظيم المعلمين بإحراق الكتب القديمة التي تمتلئ بالشعر والأغنيات، وحكايات عن تاريخ العراق. أحرقوها كافة. ولم تسلم مادة الجغرافيا من عبث التنظيم، فقد أزال الحدود بين سوريا والعراق، ليعطي انطباعًا بعظمة امبراطوريته. واعتبروا الأكراد والشيعة «كفارًا» وجب قتلهم.
استُبدلت بكتب التاريخ أخرى تحكي سير قـــادة التنظيم – وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي – فضلًا عـــن سيـــرة النبـــي محمد. واستُبدل بالتفـــاح والبرتقال الدبابات والقنابل في كتب الرياضيات، وأزيلت علامـــة + لأنهـــا تشبـــه الصليب واستُبدلت بحرف z.

تدريب على القتل

تحدثت معدة التقرير إلى قيصر الكردي، وهو أحد الأطفال الذين انضموا إلى مخيمات تدريب «أشبال الخلافة» التي أعدها التنظيم لتعليم الأطفال القتال. جلس قيصر بخجل على الأريكة في حجرة المعلمين بعد أن أغلق الستائر كي لا يراه بقية الطلاب.
قال قيصر «لم يشرحوا لنا شيئًا، وإنما كنا نتبع الأوامر فقط». ثم شرع يحكي بحماس كيف كانوا يختبئون خلف إطارات السيارات وأكياس الرمل أثناء التدريب على القتال.
يوضح قيصـــر كيف كانوا يعلمونهم العراك بالأيدي، وكيـــف أنهم علقوا حزاماً ناسفاً حول جسده ذات مرة. جهز عناصر التنظيم دمى كبيرة حتى يتعلم الأطفال كيفية قطع الرؤوس.
يقول والد قيصر – المسلم المحافظ الذي يرفض مصافحة النساء – إنّه كاد يفقد ابنه لصالح داعش، فقد قاموا بعملية غسيل دماغ له. عندما بدأ ابنه الذهاب إلى المسجد، طلب منه عناصر داعش الانضمام إليهم حتى لو لم يوافق الوالدان. وقد كاد ذلك أن يضعه في مواجهة مع عناصر التنظيم. تركه يلتحق بهم، لكنه كان يقوم بعملية غسيل دماغ معاكسة.
في النهاية... أطفال كهؤلاء.. كيف حالهم الآن بعد طرد داعش؟ تتساءل كانتز.
الآن بعد التحرير – تقول كانتز – بات مصير المدينة في أيدي المعلمين. يجهل شاكر كيف يمكن البدء في تغيير ثقافة الأطفال، الذين باتوا يمارسون لعبة الشرطة وداعش في الفسحة، ويتخيلون أنّهم يقتلون بعضهم بعضاً. يعتقد شاكر أنّ الأطفال الصغار مثل العجين، إذ يمكنك تشكيلهم كيفما شئت، لكنهم ينسون بسرعة.