التجارة المستترة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
التجارة المستترة

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

التجارة المستترة لا يمكن اجتثاثها من جذورها إلا بتكاتف المواطنين مع الجهات المختصة التي تعمل على قدر جهدها لقطع الطرق المؤدية لهذا النوع من التجارة من خلال العديد من الآليات الهادفة إلى تحديد حجم المشكلة على المستويات الفردية.

اليوم نجد مواطناً لديه ما يربو على 350 سجلاً تجارياً، ولابنه عدد مماثل، أي للأب والابن كلاهما ما يزيد عن 700 سجل تجاري، وهناك أيضاً العديد من المواطنين لديهم سجلات تزيد عن الخمسين سجلاً تجارياً، فهل تعتقدون أن هذه السجلات تُدار من قِبل أصحابها أم من قِبل القوى العاملة الوافدة؟
بالمنطق وبالوزن السليم للمعطيات فإن الإجابة بالنفي حكماً، وهي إجابة تفرض بلورة إجراءات تحد من تضخم الظاهرة من خلال ضبط هذه الممارسات الخاطئة على الفرد والمجتمع والاقتصاد من ناحية عامة، وذلك من خلال العديد من الآليات القانونية والإدارية التي تسهم في تقنين أو تفتيت هذا النوع من التجارة، وصولاً لممارسة المواطن للعمل بنفسه بدلاً من الوافد.
ليس ثمة خلاف على خطورة التجارة المستترة على أطياف المجتمع، وعلى أهمية تضافر الجهود لإيجاد حلول لها من خلال العديد من الإجراءات التي تجفف منابعها، وترسم ملامح الإطار الصحيح لحلها بمشاركة المواطنين أنفسهم الذين تقع على عاتقهم مسؤوليات كبيرة في تغيير فلسفة العمل وفي دلالات ممارسة الأنشطة التجارية على اختلافها من قِبل أصحابها في ظل التسهيلات المتوفرة من قِبل الدولة، وكون أن يبقى الوضع على ما هو عليه فذلك أمر لا يرضاه أي منّا بحكم معرفتنا جميعاً بالتبعات السلبية العائدة لنا وللوطن إذا ما سمحنا باستفحال الظاهرة، وهو منحى ينبغي تفهمه عبر الإجراءات المتبعة التي ينبغي علينا التفاعل معها بالإيجابية اللازمة باعتبارها شأناً وطنياً خالصاً.

اليوم نجد أن الجهود الحكومية ممثلة في وزارة التجارة والصناعة تعمل على تحديد السجلات التجارية المتعددة وذلك بوقفها ليتسنى لملّاكها توفيق أوضاعهم مع سجلاتهم، إذ تم بالفعل إيقاف 46 من أصحاب السجلات التجارية المتعددة الذين يملكون مؤسسات فردية وحصصاً في 50 شركة أو أكثر؛ وذلك للتأكد من صحة البيانات والمعلومات ومدى مطابقتها للواقع، إضافة للتحقق من معلومات عن منشآتهم والتحقق من ممارسة العمل واقعياً وعلى الأرض من خلال عقود الإيجار ووجود العمّال بالمنشآت وحصولهم على التراخيص كافة لمزاولة الأعمال ومدى الالتزام بنسب التعمين وغيرها من الالتزامات التي يتعيّن الوفاء بها من قِبل أصحاب هذه السجلات.

فالاستحقاقات الوطنية تفرض علينا أن نسهم في الجهود الوطنية الهادفة لإرساء دعائم التعمين في المنشآت والمؤسسات العاملة بالبلاد كافة وهذا التوجه هو بمثابة فرض عين ينبغي الالتزام به التزاماً كاملاً.

إن الجهات المختصة من خلال قيامها بهذه الإجراءات تهدف إلى الحد من استفحال الظاهرة في المقام الأول وإيقاف استغلال التسهيلات المقدمة من الجهات المختصة في هذا الشأن وخاصة في الشق الخاص بالحصول على التراخيص للسجلات التجارية وحرية التملّك وممارسة الأنشطة التجارية على اختلافها.
وذلك كله يجب أن يكون في الإطار القانوني الذي يمهّد الطريق لممارسة الأنشطة بدون تجاوز الاستحقاقات الوطنية مثل دفع الضرائب والرسوم وغيرها، فهذه الالتزامات يتهرّب عنها الوافد من خلال اختبائه خلف المواطن وبدون أن يدرك شيئاً عن مسألة تعدد السجلات التجارية فضلاً عن تسيّب بعض القوى العاملة الوافدة وخطورتها على الفرد والمجتمع من الجوانب كافة.
إن الوزارة عندما أعطت مهلة لتصحيح أوضاع السجلات المتعددة لمالك واحد سواء بدمج السجلات مع بعضها البعض أو إلغاء غير المفعل أو تصفيتها أو ضمها أو مزجها وغيرها من الآليات حتى تضمن بقاء الأنشطة التجارية التي يحتاجها المواطن أو بقاء الفاعلة منها.
إن ممارسة الأنشطة التجارية وغيرها متاح في السلطنة بموجب العديد من التشريعيات، إلا أن تنظيمها وفق أطر واضحة ومحددة له أهداف تصب بالتأكيد في معين المصلحة العامة وفي مصلحة المواطن نفسه بداية ونهاية الذي عليه أن يعي أن الجهات المختصة لا يسرها ولا ترغب في التضييق عليه في ممارسته للتجارة، كل ما هنالك هو أنها تروّم وضعه في الإطار القانوني وبقدر لا يضر باقتصادنا الوطني وهو الأولى بالرعاية كأمر متفق عليه.
بالطبع هناك شركات أوفت وما زالت بالتزاماتها الوطنية وتعمل بشكل إيجابي في إطار القانون، ولا يفوتنا هنا إلّا أن نشد على أيدي القائمين على هذه الشركات وندعو الشركات الأخريات لاتباع نفس النهج الحميد.

نأمل من أصحاب السجلات التجارية كافة تصحيح أوضاع مؤسساتهم في ظل الفرص التي توفرها الجهات المختصة قبل أن تأخذ الأمور منحى آخر يجد فيه الذين لم يلتزموا أنفسهم وجهاً لوجه أمام القانون، وهذا ما لا نتمناه.