"الحب موت صغير"

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٤/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
"الحب موت صغير"

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

هكذا يراه الشيخ المتصوف، هذا الحب، وهو يشق طريقه بحثا عن رؤيته ورؤياه، فتجلت الرحلة على يد الروائي محمد حسن علوان عملا أدبيا مميزا حمل عنوان "موت صغير" تمدد على نحو 600 صفحة ورقيا، لكنه يلقي بسيل الأسئلة المرتجية الكشف، كما يفتش عنه الصوفيون في صوامعهم وحضراتهم..
إنه العمر في مجراه، على قلوبهم، حيث لا يعول على الزمن "الذي لا يكون لك ولا عليك" فينفقون سنواتهم بحثا عن معرفة خاصة مؤمنين أنهم لم يأتوا للحياة فقهاء إنما محبين للذات الإلهية المتجسدة فيهم، كونهم جزء من كل.
اقترب الروائي/المؤلف من حياة محيي الدين بن عربي ليرافقه ساردا بضمير المتكلم، منذ أن كان في الرحم والمعبّر عنها بقول ابن عربي "كانت الأرحام أوطاننا فاغتربنا عنها بالولادة"، محددا درب الرواية بأنها المسافة الممتدة بين برزخين، فيقول الراوي على لسان الشيخ المتصوف "برزخ قبل ولادتي، وآخر بعد مماتي، في الأول رأيت أمي وهي تلدني، وفي الثاني رأيت ابني وهو يدفنني".
"موت صغير" من الأعمال التي يتم الاشتغال عليها بنفس كتابي طويل، لكنه القادر على جذب القارئ إلى الرحلة، رحلة الراوي أو المروي عنه، حيث تقدم الرواية تاريخا طويلا عبره ابن عربي فيه ما فيه من تغيرات سياسية واضطرابات وصراعات وتداعيات مسّت العقل الصوفي نفسه، حيث حوصر من قبل الخلفاء الذين قربوا الفقهاء إليهم، مع الخلاف والاختلاف بين طريقين يريان الدين وعلاقته بالحياة على نحو لا وفاق بينهما، فالعمر وفق رؤية المتصوف "ليس سوى محض سطر في رسالته الإلهية، لمعة شهاب في سمائه العلوية"، حيث الحجب مكشوفة أمامه، فكلما تخفف قلبه من المدنسات ارتقى أكثر في سلالم القرب من الخالق.
عاش ابن عربي رحلتين، الأولى وهو يضرب أصقاع الأرض مسافرا من أجل المعرفة فـ "كل معرفة لا تتنوع لا يعوّل عليها"، والأخرى باحثا عن "أوتاده" كما يليق بولي، ينشد كماله، يقول "السفر قنطرة إلى ذواتنا"، فهو قلق كلما ابتعد، فينشد الطمأنينة، لأنها دليله على درب الصواب، "إنني مما يأمن القلب خائف"، لا يتصرف في أمر حتى يأتيه الكشف، حيث يأمره الله بالسير، متنقلا بين المدن، أينما يريده الخالق له أن يكون، حبّه لله يجعله على صلة دائما به، مشيئته بين يديه، فالحب سر إلهي، وقد تهيأت حياته ليسير على دربه، معتقدا بأن الله أراده لهذا السير.. وكلما أضاع الطريق اقترب من مولاه أكثر ليرشده، بالطمأنينة التي يجدها في قلبه، فالصوفي يرى الله بقلبه، والحياة معبر، حيث "كل بقاء بعده فناء لا يعوّل عليه".
الرحلتان اللتان قام بهما ابن عربي، وتبدو رحلة واحدة، معبر للراوي محمد حسن علوان، وهو يجسّد (بالكتابة) تطواف الصوفي وتنقله من الأندلس والقاهرة وحتى مكة ودمشق وبغداد وغيرهن، كأنما الفواصل التي وضعها بين أسفار الرواية معنية أيضا بتوضيح أن هذا المخطوط تنقل أيضا ليصل إليه، ومساحة صغيرة هنا لا تكفي للكتابة عن "سفر" صوفي خلّده ابن عربي في رحلة المحبة الإلهية التي حملها على كاهله، واصفا على يد الراوي مشهد موته وانثيال التراب على قبره.