معاذ الرقادي: لا يمكن لشخص أن يكون مبدعاً ومبتكراً إذا لم يغذِ ذهنه بالقراءة

بلادنا الأربعاء ١٩/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
معاذ الرقادي: لا يمكن لشخص أن يكون مبدعاً ومبتكراً إذا لم يغذِ ذهنه بالقراءة

حاورته: أميرة السعيدية

العزيمة والإرادة والإصرار مفاتيح مهمة من مفاتيح النجاح، فقد وددت من خلال حواري هذا أن أبحر في عالم المبدع معاذ بن خلفان الرقادي الذي أصيب بضعف بصري حاد ولكنه لم يكن معيقاً له إطلاقا، فأبدع وابتكر وسعى جاهداً أن يغيّر ولو القليل من واقع فئة ذوي الإعاقة، فلم أجد منه سوى الترحيب بهذا الحوار وردوده الجميلة والرائعة التي جعلتني أستفيد من تجربته الحافلة بالتحدي والإنجاز قبل أن أدونها فبدأت حواري معه هذا...

في البداية نود أن تعطينا نبذة تعريفية عنك؟

■ أنا موظف في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس، أعمل حالياً مسؤولاً عن متابعة الشؤون الأكاديمية لطلبة ذوي الإعاقة بالكلية وأيضا مشرفاً على البرامج والأنشطة والمشاريع المعنية بطلبة ذوي الإعاقة.

قدّر الله وشاء في أن تصاب بضعف بصر حاد، حدثنا عن هذه التجربة التي مررت بها وكيف استطعت أن تتأقلم مع الوضع الجديد؟

نقطة البداية

■ في العام 2009 دخلت مرحلة جديدة من حياتي إذ كنت سابقاً شخصاً سليماً ليس لدي مشكلات حقيقية في البصر، وبمجرد دخولي الجامعة بدأت تظهر لدي هذه المشكلة، ولكن الجدير بالذكر أنني قبل دخولي للجامعة قبلت ببعثة إلى أستراليا لدراسة أحد فروع الطب، وقد تأهبت لبدء إجراءات الدراسة في الخارج، وفي نفس الفترة كان لدي تشخيص للبصر فاكتشف الطبيب أن لدي مشكلة في النظر وهذه المشكلة قد تتطور مع مرور الزمن الأمر الذي يستحيل معه دراسة التخصصات الطبية بهذه الحالة. وبعد الاستخارة قررت أن أغير تخصصي الذي كنت أرغب فيه فقبلت الخيار الثاني وهو تخصص الهندسة في جامعة السلطان قابوس فدرست في الهندسة 3 سنوات، وخلال هذه السنوات بدأت تظهر فعلياً مشكلة النظر، فأصبح أيضا من الصعب جداً أن أواصل دراستي في هذا التخصص وأنا بهذه الحال، فكان القرار أن أنتقل إلى الكلية الوحيدة التي تقبل الطلبة الذين يعانون من مشكلات بصرية وهي كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، وكان من القوانين المعمول بها في تلك الكلية بأن لا يسمح لأي طالب انتقل من كلية ما إلى كلية الآداب إلا بدراسة أحد التخصصين: التاريخ أو اللغة العربية، فخيّرت بين هذين التخصصيّن وأنا ليس لدي ميول لأي منهما فكنت أتمنى أن أدرس تخصص علم اجتماع أو عمل اجتماعي هذه التخصصات القريبة من الجوانب الإنسانية التي أميل إليها فلم تكن هذه التخصصات متاحة لي لدراستها لذلك آمنت بالأمر الواقع واخترت تخصص التاريخ فهو على الأقل أفضل لدي من تخصص اللغة العربية باعتباري أحب المعلومات كثيراً فدرست في هذا التخصص حوالي 3 سنوات ونصف وتخرجت وحصلت على المركز الأول على الدفعة.

رحلة إبداع
لمجال الابتكارات حيز مهم في مسيرتك الإبداعية.. حدثنا عن رحلتك الإبداعية في عالم الابتكارات؟

■ بالنسبة لموضوع الابتكارات.. الابتكار هواية كنت أمارسها منذ الصغر وكنت متأثراً كثيراً بالمخترعين أمثال إديسون والعباقرة مثل أينشتاين فتولدت لدي الأفكار بأن أكون مخترعاً، فبدأت بنفسي بعمل هذه الابتكارات في المدرسة وكانت على مستوى جيد على الرغم من صغر سني وعند دخولي الجامعة ودراستي لتخصص الهندسة استمرت لدي هذه الهواية، وقمت بعمل 3 ابتكارات تقريبا ومن أبرزها ابتكار حصالة القراءة، وهي حصالة تهدف إلى تشجع الأشخاص على القراءة وأيضا من ضمن الابتكارات المكواة الأوتوماتكية وأبرز هذه الابتكارات هو ابتكار التحويلة وهي عبارة عن تحويلة من الجسور والطرق والمعروفة في علم الهندسة المدنية (التحويلة المباشرة دون أي إشارات مرورية) فكانت فكرة قمت بالاشتغال عليها أنا وفريق من الزملاء وتم اختياره كثاني أفضل مشروع في الهندسة المدنية في العام 2009 وهي نفس السنة التي حولت فيها إلى الآداب، واستمرت لدي هذه الهواية في كلية الآداب وقمت بعمل ابتكار أداة لتوسيع الطاولات الدراسية وأداة شك اللحم وفاز هذان الابتكاران بأكثر من مركز في أكثر من مسابقة والأهم من ذلك هو حصولي على براءتي اختراع من الولايات المتحدة في العام 2015 وتعتبر ثاني وثالث براءة اختراع تسجلها جامعة السلطان قابوس في الولايات المتحدة .

هل وجدت دعماً من قبل الشركات
بخصوص تبني هذه الابتكارات؟

■ بالنسبة لهذين الابتكارين تم تصميمهما في العام 2012 وبراءة الاختراع صدرت في العام 2015 وفي حقيقة الأمر نظراً لطول المدة الزمنية لم يتم تحويلهما إلى منتجات ولكنهما فتحا الباب للبراءات القادمة لتحقيق هذه الغاية، وتعتزم الجامعة في الفترة القادمة تحويل معظم البراءات التي سوف تسجل إلى منتجات يمكن الاستفادة منها.

تعددت الهوايات والميول لديك
كيف استطعت أن توفق بينها وتصقلها؟

■ المسألة كلها تتعلق بطريقة تنظيم الوقت، فمتى ما كان لدى الشخص حسن في تنظيم وقته فكل شيء سوف يكون ممكناً

والأهم من ذلك هو أن يبعد من ذهنه كلمة أنا مشغول فكلما رسّخ الشخص في ذهنه أنه مشغول ومضغوط.. فسوف يتأكد تماماً بأن لن يكون لديه وقت لعمل أي شيء، ولكن عندما يضع في ذهنه بأن لديه وقتاً كافياً حتى لو كان مشغولاً فبإذن الله سوف تتيسر الأمو.
ماذا عن هواية رسم الكاريكاتير
والنحت هل ما زلت مستمراً فيهما؟

■ بالنسبة لهذه الهوايات كنت أمارسها في فترة معينة وانقطعت عنها وعلى الرغم من أن لدي الإمكانيات لممارسة هواية النحت مثلاً إلا أنني أنظر للهواية كشيء مرتبط بالعمل يمكن أن أستفيد منه، فعلى سبيل المثال أنا أعتبر الابتكار هواية أيضا لأنه لا يمكن أن أدرك مشكلة ما حولي وأتركها تذهب هكذا دون أن أجد لها حلا.

كتاب «العالم بين يديك» ماذا
يمكن أن تقول عن هذا الكتاب؟

■ بالنسبة لهذا الكتاب كانت لدي محاولة لتأليف هذا الكتاب ولكن للأسف لم أواصل فيه، وذلك لأنه كانت لدي رغبة في تأليف هذا الكتاب وليس هدفاً في حد ذاته لذلك انقطعت عن تأليفه وقمت بتحويل مساري إلى التأليف في المجال الذي أنا مهتم به، وهو مجال لغة الجسد المتعلقة بذوي الإعاقة فليس من المجدي أن أقوم بالتأليف في مجال لا أمارسه في حياتي.

جهود جبارة
باعتبارك معنياً بالشؤون الأكاديمية لذوي الإعاقة بالكلية حدثنا عن الجهود التقنية التي بذلتها من اجل جعل المسيرة العلمية لهذه الفئة أكثر سهولة ويسرا؟

■ بالنسبة للجهود التقنية التي بذلتها لهذه الفئة فأنا مثلما ذكرت سابقا لدي ميول في الابتكار ودائما لدي رغبة في حل المشكلات فهذه الرغبة ولله الحمد توافقت مع طبيعة عملي فمجال ذوي الإعاقة هو مجال خصب بالمشكلات فلذلك كان من الضروري أن نوجد حلول حقيقية لهذه المشكلات، فمثلا كان لدينا مشكلة تهيئة المادة العلمية لطلبة ذوي الإعاقة البصرية، فتهيئة المادة العلمية هو العنصر الأساسي في نجاح المسيرة العلمية فقمنا بابتكار طرق جديدة لحل هذه المشكلة من بينها تأسيس فريق من المتطوعين التابع لمجموعة إبداع البصيرة ثم تطور هذا الفريق من فريق متطوعين يقومون بعملية الطباعة إلى برنامج خاص أطلقنا عليه اسم بيدي أقرأ وهو نظام إلكتروني يساعد ذوي الإعاقة البصرية في الحصول على الكتب الدراسية بأقل وقت ممكن .

تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي الشغل الشاغل لكثير من الأشخاص لماذا أنت بعيد عن هذه الوسائل ولم تستخدمها في توثيق وتعريف الناس على ابتكاراتك مثلا؟

■ شخصياً أملك حسابات في قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة واستخدمها فقط بغرض المتابعة وبقدر ما لهذه القنوات من أهمية إلا إنني أحب العمل دونما ضجيج وعلى الرغم من اهتمامي الكبير بمجال التقنية إلا أن هذه القنوات لا تثير اهتمامي بل أشعر في كثير من الأحيان أنها تأخذ مني وقتا يمكنني استثماره في جوانب أكثر فائدة .

بعد هذه المسيرة الحافلة بالجهد والاجتهاد
والإبداع والإنجاز ما هي أبرز التحديات التي واجهتك؟

■ من أبرز التحديات التي واجهتني هي التحول إلى مرحلة جديدة من حياتي عند إصابتي بضعف بصر حاد، وما زالت من أكبر التحديات لدي، فالإنسان عادة عندما يولد شخصاً سليماً وفجأة تظهر لديه مشاكل صحية في مرحلة متقدمة من العمر في سن 18 سنة مثلاً يبدأ يشعر بأنه يفقد أشياء كثيرة في حياته لأنه كان يرى أشياء وأصبح لا يراها بشكل جيد أو كان قادراً على استخدام أشياء أصبح غير قادر على استخدامها فيصبح التحول العضوي الذي أصابه نوعاً من التحدي النفسي.