ويسألونك عن التطرف!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
ويسألونك عن التطرف!

علي ناجي الرعوي

بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ضربت عدة دول في العالم ومنها الهجوم على معقل الديمقراطية الغربية الأقدم (البرلمان البريطاني) وسط لندن وكذا التفجيرات التي استهدفت الكنائس في مصر ارتفعت بعض الأصوات في الغرب مرة أخرى بالسؤال عن أسباب التطرف وهو ذات السؤال الذي سبق وأن طرح بأشكال مختلفة في وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر العام 2001 بالولايات المتحدة وسيبقى مثل هذا التساؤل يتكرر ربما لعقود قادمة طالما ظل الغرب يرى في كل حادث إرهابي ينفجر بمثابة لغم جديد يمنحه الحق في تجييش المشاعر العنصرية ضد الإسلام والمسلمين عن طريق التعميم الجائر الذي لا يقل في خطورته عن ما يسمى بـ(التطرف الإسلامي) فهو من يوفر المشروعية لليمين المتطرف في الغرب للنيل من الوافدين والمهاجرين المسلمين إلى بلدانه واعتبار تلك الفئات التي أصبح الكثير منها جزءاً لا يتجزأ من نسيج تلك البلدان الغربية مواطنين غير مرحب بهم لمجرد أنهم من يعتنقون دينا يصنف بتفريخ التطرف والإرهاب.

مثل هذا الجنوح الذي لا يخفي عدائيته لكل ما هو مسلم ولا يفرق بين القلة القليلة التي انساقت نحو الفكر المنغلق والظلامي الدخيل على الإسلام والمسلمين وبين أمة كاملة تؤمن تماماً بأن المعتقد الديني الذي تنتسب إليه هو دين تتجلى فيه كل معاني التسامح والتعيش واحترام الآخر وكافة القيم الإنسانية النبيلة التي جاءت بها مختلف الرسالات والديانات السماوية الأمر الذي يعكس في إيحاءاته من أن تلك الأصوات التي ترتفع بين حين وآخر في الغرب متسائلة عن أسباب التطرف هي أصوات لا تسعى من وراء ذلك الضجيج وعلامات الاستفهام للبحث عن إجابة مقنعة تدلها على الحقيقة التي تجهلها عن الدين الإسلامي أو تلك الجماعات المتطرفة التي انحرفت عن جادة هذا الدين واتجهت إلى ممارسة العنف وأعمال إرهاب بالقدر الذي تروم فيه تلك الأصوات المرتفعة لتكريس فكرة أن ثقافة التطرف والتعصب هي سمة خاصة بالعالم العربي والإسلامي وأن دين النبي محمد هو بطبيعته يحث على العنف والإرهاب مما يجعله يتصادم مع حضارة الغرب الليبرالي التي نجحت في تجاوز صراعات الماضي عبر الفصل بين الدين والسياسة وبما يتناسب مع الفكر المدني الذي يقبل الآخر بغض النظر عن ديانته أو طائفته أو توجهه الفكري والسياسي فيما لم يفهم العالم العربي والإسلامي هذه المعادلة وكذا ما يجب فعله تجاه المؤسسات الدينية التي تفتي بالجهاد ضد كل من هو غير مسلم مما ساهم في ظهور التيارات الجهادية التي تنشر دعواتها ليس فقط بالبلدان العربية والإسلامية بل وفي البلدان الغربية عبر مساجد بريطانيا وفرنسا ونيويورك وغيرها.

في المقابل فإن كل ما يثار ويتردد في الغرب عن التطرف لم يسمع مع الأسف من قبل فقهاء وعلماء ومفكري العالم العربي والإسلامي إذ أن ما صدر عن هذه النخب على ضآلته بدا موزعاً بين رؤيتين تتلاطمهما القراءات المذهبية المتعددة والتبريرات العصبوية التي لا تصطدم ببداهة العقل فحسب وإنما تتنافر مع أبسط قواعد الإقناع فتلك النخب فشلت في تقديم خطاب واع وعقلاني يستند إلى الحجة والمنطق القويم القادر على تحديد الأسباب المولدة للتطرف الديني وكيفية مواجهة هذه الظاهرة العابرة للحدود والأديان والشعوب والمجتمعات والتاريخ، وبما يجعل من ذلك الخطاب فعلا استراتيجيا لتحرك دولي مشترك يعمل على التصدي لأسباب هذه الظاهرة وما يرتبط بها من إرهاب ومعالجة نتائجها عبر الاعتراف أولا على أن ظاهرة التطرف ليست حكرا على دين بعينه، فكما أن هناك متطرفين في المجتمعات الإسلامية، هناك أيضا متطرفون في الغرب وهي حقيقة لم تفت على التنويريين من المسيحيين والمسلمين والذين انطلقوا لتبني المبادرات الداعية إلى الحوار بين الأديان وقد كان الهدف من وراء هذه المبادرات الحد من التطرف والصراعات وتعزيز ثقافة التعايش والتسامح بين الأديان والحضارات والثقافات والشعوب وبالرغم من كل الجهود والفعاليات التي بذلت على هذا الصعيد إلا أن التطرف الديني والسياسي والاجتماعي تصاعد وانتشر بصورة غير مسبوقة ليس فقط ضد الآخر بل بين طوائف ومذاهب الدين الواحد وبين أبناء المجتمع الواحد وهذا التطور لا شك وأنه الذي دفع بالتناقضات المحلية والإقليمية والدولية الى دائرة العنف. وفي كل الأحوال فليس مطلوبا منا في العالم العربي والإسلامي أن نصر على أن الغرب يكرهنا ويعمل ضد مصالحنا ويرفض أن نعيش في أمن وسلام ويعادي كل جهد نبذله من أجل اللحاق بركب العصر وأن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقي الاثنان أبداً ومن ثم علينا أن ننعزل ونبتعد عن الغرب كليا كما يقول حسن الترابي إذ أن مثل هذا الطرح لا ينسجم قطعاً مع العقل ومجريات المصالح المتبادلة والثورة العلمية التي جعلت من عالم اليوم مجرد قرية إلكترونية صغيرة لا مفر من أن يتأثر جميع أجزائها على نحو متسق لكن ما ينبغي أن يفهمه الطرف الآخر أننا لسنا في معركة صدام مع الغرب وأن هذا الغرب عندما يهرع إلى نوع من التعميم المخل باتهام الدين الإسلامي ومن يعتنقون هذا الدين بالإرهاب إنما هو بذلك يجسد بحق أن موضوع الإرهاب هو في جوهرة ليس إرهابا دينيا بقدر ما هو إرهاباً سياسياً عالمياً وليس من باب التجني القول بأنه ولولا الأفعال اللاخلاقية لأمريكا والدول الغربية التي شاركت في احتلال وتدمير العراق ومارست نفس الدور في سوريا وكذا ليبيا واليمن وغيرها، لما نمت الجماعات الجهادية والإرهابية في تلك البلدان ولما أصبح تنظيم (داعش) بذلك الزخم الذي عجز تحالف دولي يتشكل من 60 دولة عن اجتثاثه حتى الآن.

إن كان من شيء يصنع التطرف فهو الظلم وأشد أنواع هذا الظلم هو ما تعرضت له القضية الفلسطينية وما حل بالعديد من الأقطار العربية من دمار وخراب بفعل أحداث الفوضى الخلاقة التي لم تلبث أن تحولت إلى فوضى لا أخلاقية وهذا الظلم الذي عانته دولنا وشعوبنا يجعلها تنظر لمن يتهمها بالتطرف بأنه يحاكم الضحية ويترك مرتكب الجريمة يواصل أفعاله دون أن يطلب منه حتى مراجعة نفسه وإيقاظ ضميره النائم أو الميت.

كاتب يمني