أمّ القنابل في أفغانستان!

مقالات رأي و تحليلات الجمعة ٢١/أبريل/٢٠١٧ ٠٣:٥٥ ص
أمّ القنابل في أفغانستان!

جمال زويد

هي أضخم قنبلة في التاريخ، ليس لها مثيل حتى الآن؛ يبلغ طولها (9) أمتار وقطرها متر واحد. وبحسب منظمة «جلوبال سيكيوريتي» لنزع التسلح فإن وزنها يبلغ (9,8) أطنان، وتشكّل أضخم سلاح غير نووي في الترسانة الأمريكية. وقالت عنها مجلة العلوم «بوبولار ميكانيكس» أن وزن هذه القنبلة يوازي وزن طائرة إف-16 مقاتلة.

وتقول منظمة «غلوبال سيكيوريتي» إنها قنبلة مدمرة تحوي (8480) كلغ من مادة إتش6 المتفجرة. وبحسب موقع المنظمة توازي قوة تفجيرها (11) طنا من مادة (التي أن تي) وهي مسيّرة بالأقمار الصناعية وتلقى من الجو لتنفجر قبل ارتطامها بالأرض ويمكن أن تُشاهد أعمدة دخانها على بعد (32) كلم.

وتم البدء في صناعتها في العام 2003 إبّان الغزو الأمريكي للعراق إلاّ أنها لم تُستخدم منذ ذاك الحين إلاّ الآن، فألقتها القوات الأمريكية للمرّة الأولى يوم الخميس الفائت 13 أبريل 2017 على ولاية ننغرهار في أفغانستان مستهدفة بحسب رواية الجيش الأمريكي شبكة أنفاق عميقة في منطقة أشين بولاية ننغرهار (شرق أفغانستان) التي تعد معقلا لتنظيم «الدولة الإسلامية» على حدود باكستان ضمن الحملة الأمريكية على الإرهاب التي أصبحت - للأسف الشديد - ذريعة جاهزة يُسمح بموجبها لارتكاب المجازر تلو المجازر بأبشع صورها وأفظع تأثيراتها حتى لو استدعى استخدام أو تجربة أسلحة لا يضاهيها شيء في فتكها والتدمير الذي ينشأ عنها، مثل تلك القنبلة «جي بي يو-43/‏‏بي»، التي فجروها وسمّوها بـ»أم القنابل»!

في الواقع؛ بات القتل بلا حساب، أينما اتجهت في بلدان العالم الإسلامي، تجد مجازر يندى لها الجبين، وصارت تلك المذابح كما المعالم البارزة على وحشية الجزارين الذين أصبحنا - على فظاعة جرْمهم - مطالبون على الدوام بأن نثبت للعالم أننا متسامحون ومتعايشون ومحاربون للإرهاب حتى لو كان قتل الأبرياء والمدنيين بالخطأ مثلما حدث الشهر الفائت في مدينة الموصل بالعراق. أو حتى لو كان ذبحهم بطريقة جماعية لأنهم يسكنون في مناطق تظنها وتحسبها آلة الحرب والفتك الأمريكية أنها معاقل للإرهاب. ويكفي أن تكون هذه التهمة - الإرهاب - جاهزة لتتحوّل إلى تصريح وجواز مرور لقصف قرى ونسف مدن وتدمير أحياء دون تثبّت أو أي حذر من قتل أبرياء لا علاقة لهم بإرهاب أو (داعش) أو (قاعدة) ولا يجمعهم شيء معهم سوى رُخص دمائهم وأرواحهم.

سانحة:

مما يُروى في بياض تاريخنا الإسلامي الناصع أن عبداً نجاراً حداداً في المدينة المنورة كان يصنع الرحاء (جمع رحى) وهي آلة لطحن الشعير، عبارة عن حجران مصفحان يوضع أحدهما فوق الآخر ويطرح الحبّ بينهما، وتدار باليد، فيطحن. أخذ هذا العبد الذي يدعى أبو لؤلؤة المجوسي يتحيّن الفرص للانتقام من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فلقيه عمر يوماً في طريق فسأله وقال: حدثت أنك تقول لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح ؟! فالتفت العبد عابساً إلى عمر، وقال: بلى، لأصنعن لك رحى يتحدث بها أهل المشرق والمغرب، فالتفت عمر إلى من معه، وقال: توعّدني العبْد. ثم مضى العبد وصنع خنجراً له رأسان، مقبضه في وسطه، فهو إن طعن به من هذه الجهة قتل، وإن طعن به من الجهة الأخرى قتل، وأخذ يطليه بالسم، حتى إذا طعن به يقتل إما بقوة الطعن أو السم. حينذاك نصح البعض ابن الخطاب وحذّروه من تهديد هذا العبْد ووعيده، واقترحوا القبض عليه، فلم يفعل الفاروق ذلك متعللاً بأنه «لا سلطان لي على نيّات الناس وسرائر أنفسهم !» عدالة الفاروق عمر رضي الله عنه منعته من اعتقال قاتله بناء على الشكوك بنياته فقط. بينما في وقتنا الحاضر؛ تُباد أفواج من البشر وتُسوّي بهم الأرض بناء على الظنون ومحاكمة النيات والسرائر، من غير أن يحزن لقتلهم أحد أو يرفّ جفن لإزهاق أرواحهم بواسطة - مثلاً - أم القنابل.

كاتب بحريني