بيع الأوهام للبسطاء

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
بيع الأوهام للبسطاء

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الفائتة مقطع فيديو لشخص تم تصويره أو قام هو بتصويره وهو يمشي الهوينا متبختراً داخل دار الأوبرا السلطانية العُمانية، مرتدياً زياً يشبه أزياء العصور الوسطى ويجر خلفه عباءة طويلة ومعتمراً تاجاً ويحمل في يده اليمنى عصا طويلة، وعلى ظهره رسم كامل لشعار السلطنة مصحوباً بموسيقى عسكرية عُمانية تُعزف في المناسبات العسكرية العُمانية.

المقطع تم تداوله على نطاق واسع بوسائل التواصــل ووجــد اســتنكاراً وشجباً قوياً، كما أثار العديد من التساؤلات حول المعنى والمغزى والهدف من هذا الفعل الغريب.
بداية لا بد من الإقرار أن هذا الشخص قد انتهك حرمة دار الأوبرا السلطانية، ولا بد من الإقرار بأن ثمة خطأ ما قد وقع، وأن هذا الخطأ قد تم استغلاله على نحو صارخ من قِبله، وفي الوقت نفسه فإن الواقعة تطرح العديد من التساؤلات القوية عن الهدف الذي يرمى إليه من هذا التصرف؟ وهل هو مجرد مغامر وطالب شهرة بأي ثمن؟ أم إنه قد امتهن الدجل؟ أو ربما يعاني من مشكلات نفسية؟ ومهما كانت المبررات والأسباب والمسببات فإن المتفق عليه هو أنه قد انتهك القانون، وفي الوقت نفسه فإن الواقعة قد نبّهت الجهات الحكومية لرفع درجات المستوى الأمني بدار الأوبرا السلطانية وفي غيرها من الدور؛ حتى لا يتم استغلال معالم الدولة لأغراض شخصية أو دعائية دون الحصول على إذن رسمي مسبق.
الواقعة أفرزت إيحاءات اجتماعية سالبة على المجتمع، إذ إن هؤلاء قد يستغلون هذه المقاطع والمشاهد لإيهام الأبرياء بامتلاكهم قدرات خارقة تفوق قدرات البشر العادية، وإنهم يستطيعون الإتيان بالخوارق، وقد يجدون مَن يصدّقهم فعلاً من البسطاء الذين قد يتعرّضون للابتزاز أو النهب المنظّم في مقابل وعود تُبذل لهم ولن تتحقق بطبيعة الحال.
ففي الفترة الفائتة تزايدت مثل هذه الممارسات الخاطئة المتمثلة في الإساءة لشعار الدولة «الخنجر والسيفين» إضافة للشعار السلطاني المتمثل في التاج والخنجر والسيفين، واستخدام خريطة السلطنة للترويج للمنتجات التجارية المختلفة وغيرها من الممارسات.
ربما أن الكثيرين لا يعلمون أن تلك الممارسات تُعد مخالفة لمنطوق المادة 12 من المرسوم السلطاني السامي رقم 53/ 2004 التي تنص على حظر استخدام الشعار كعلامة تجارية أو بقصد الإعلان أو الدعاية التجارية، كما تحظر المادة أيضاً وضع الشعار على المصوغات أو المنتجات أو الأدوات التي تنتج أو تُصنع محلياً أو استيراد أي منها دون إذن مسبق من وزير التجارة والصناعة.
إذن فإن صاحب المقطع قد انتهك هذه المادة من خلال الملابس التي ارتداها واستعرض بها أو استُعرضت به لتحقيق أغراض شخصية بحتة، ومرسوم عليها شعار الدولة والسلطان بدون إذن مسبق من الجهات المختصة.
الجانب الآخر في هذا الشأن هو أنه من الأهمية بمكان توضيح عواقب الانتهاك لمَعْلم عُماني بارز مثل دار الأوبرا السلطانية وامتطاء حبائل الاحتيال لدخولها كزائر عادي للإطلاع على معالمها الحضارية أو لحضور إحدى فعالياتها، في حين أن دخوله كان مناقضــاً لكل ذلك، وكان مختلفاً في أهدافه ومراميه وغاياته، إذ أظهره المقطع وهو يمشي متبختراً مزهواً على صدى تلك الموسيقى التي لا تُستخدم في عبث كهذا، فكانت الإساءة واضحة وبيّنة ولا لبــس فيها إلى المكان وما يمثله من قيــمـة فنــية عالية لدى وجدان العُمانيين.
إذن لا بد من التوعية بمخاطر سلوكيات كهذه دخيلة على مجتمعنا وعلى عاداتنا وتقاليدنا الراسخة، وفي الوقت نفسه يتعيّن توضيح العقوبات التي نص عليها القانون والتي ستطال كل مَن سوّلت له نفســه العبث بالمرافق العامة بالبلاد، وحتى يغدو عبرة لغيره، وحتى لا ينخدع البسطاء به، ولإيقاف أي فكــر ضـــال له من أنه سيمسي مشهوراً بين ليلة وضحاها، إذ الصحيح أنه سيغدو سجيناً بين ليلة وضحاها.
ومن ناحية عامة فإن التقاط الصور التذكارية في ردهات دار الأوبرا السلطانية وفي قاعاتها ليس ممنوعاً، ولكن أنْ يتم استغلاله بالشكل الذي أظهره المقطع من استعراض مخلٍ وله أهداف بالقطع خفية كأن يستغل للإيقاع بالبسطاء، والأدهى استخدام شعارات الدولة لتحقيق تلك الأهداف، فإن ذلك هو المحظور والممنوع.
هناك جهود تُبذل للتوعية بمخاطر استخدام شعارات الدولة في الملابس والمنتجات التجارية عبر كل الوسائل الإعلامية، وهناك حملات لضبط المخالفين لنصوص مواد القانون في هذا الشأن السيادي الصرف.
نأمل أن نعي خطورة الإساءة لمعالم الدولة والاستخدام غير القانوني لشعارها وما ينتج عن ذلك من ممارسات خاطئة، ومن ثم توظيفها لخداع الناس.