هكذا طُرد فلسطينيو 48 من ديارهم

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
هكذا طُرد فلسطينيو 48 من ديارهم

غازي السعدي

بين حين وآخر، في مناسبة ودون مناسبة، يتجدد النقاش الإسرائيلي-الإسرائيلي، وكأن هناك صحوة من قبلهم حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، وطردهم عام 1948، يواكب هذا النقاش، الكشف عن معلومات جديدة لم تكن معروفة من قبل، حول تحويل الفلسطينيين إلى لاجئين وبعثرتهم في شتى أنحاء العالم، وكي نكون موضوعيين وصادقين، ولإعطاء كل ذي حق حقه، فإن هناك من بين المؤرخين الإسرائيليين الذين يهتمون في قضية اللاجئين الفلسطينيين، يحملّون المنظمات اليهودية الإرهابية، من منظمة الـ«هجناه» و«اتسل» المنظمة العسكرية القومية، وصولاً إلى منظمتي ليحي وشتيرن، إضافة إلى الجيش الإسرائيلي الذي تم إنشاؤه بعد الإعلان عن إقامة إسرائيل، يحملون هذه المنظمات المسؤولية عن طرد الفلسطينيين، والتي تصل إلى جريمة حرب، يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني.

في مراجعة سريعة للوثائق المتاحة في هذه القضية، والمخفي أعظم، ومن خلال ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ سنوات الخمسينيات، كان لدى إسرائيل مخطط لتقسيم الأراضي الأردنية، بينها وبين العراق والسعودية، والهدف الأساسي من هذا المخطط، حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في العراق، إلا أنه وبحسب المصادر الإسرائيلية التي اعتمدنا عليها، فإن عدم موافقة واشنطن في حينه، حال دون تنفيذ الخطة، كما جاء في صحيفة «يديعوت أحرونوت بتاريخ 5-10-1950».

رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه «دافيد بن جوريون»، اقترح على وزرائه منذ السنوات الأولى لإقامة إسرائيل، احتلال الضفة الغربية، بما في ذلك احتلال القدس الشرقية، ومنطقة بيت لحم والخليل، لتهجير أكثر من (100) ألف فلسطيني، بحسب صحيفة «هاآرتس 3-2-1995»، والاستنتاج أن مخطط احتلال الضفة الغربية، لا علاقة له بذريعة التهديدات العربية، كما يتبين أن عملية طرد الفلسطينيين في السابق، وحتى في هذه الأيام، هي استراتيجية ثابتة، فهم يريدون الأرض بلا شعب فلسطيني، حتى أن «بن غوريون» وبالوثائق وجه جنوده للتخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وكان يستغل مصطلح تنظيف الأرض من الفلسطينيين، فالحركة الصهيونية كانت تنظر للفلسطينيين، كما كان الأمريكيون ينظرون إلى الهنود الحمر، «ملحق صحيفة دافار 6-4-1976».
في تقرير جديد لصحيفة «هاآرتس 16-10-2016»، كشفت أن القيادة العسكرية لمنظمة «الهجناه»، اتخذت بتاريخ «10-3-1948»، خطة أطلق عليها حرف «د»، لطرد أكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين من وطنهم، ضمن سياسة التطهير العرقي، وكانت تستعمل وسائل عديدة لحمل الفلسطينيين على الرحيل، باغتصاب النساء، وإدخال الرعب في نفوسهم من هجمات الجيش، وأعمال المنظمات العسكرية الإرهابية والجرائم الكثيرة التي نفذت بحق الفلسطينيين، وفي قرى كاملة كما جرى في مذبحة دير ياسين وكفر قاسم، فكتب الكاتب «دانييل بيلتمن» في صحيفة «هاآرتس 16-10-2016»، أن «هتلر» لم يأمر بالحل النهائي لليهود، إذ من المعروف بحسب الكاتب أنه لم يتوفر أبداً أمر مكتوب منه بقتل يهود أوروبا في العهد النازي.
لقد كُتب الكثير عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وبينما كان الفلسطينيون، وفي المنابر الدولية، يحمّلون إسرائيل مسؤولية طردهم، كان الاحتلال الإسرائيلي يزعم أنهم تركوا البلاد وهربوا بإرادتهم، أو أنهم تأثروا بالدعاية العربية أن جيوشها ستحرر البلاد خلال فترة قصيرة، وأنهم سيعودون إلى وطنهم وبيوتهم منتصرين بتحرير البلاد، وكان أفضل وثيقة كتبت باللغة العبرية في هذا الموضوع، تحت عنوان «طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين»، للمؤرخ الإسرائيلي «بيني مورس»، الذي يؤكد فيه مسؤولية إسرائيل عن عملية طرد الفلسطينيين، والهرب الجماعي لهم عام 1948، وفي هذا الوقت ومع وجود وثائق كثيرة في الأرشيف الصهيوني، لم يكشف عنها في هذه القضية خشية من الفضائح، فإن المزاعم الإسرائيلية أنهم -أي الفلسطينيين- هربوا من خاطرهم، أو تأثروا بالدعاية العربية آنذاك، بينما هناك قصص كثيرة، كتبت من قبل إسرائيليين عن ترحيل الفلسطينيين عام 1948، خاصة من يافا واللد والرملة، وأن ما قاله المدعي العام في محاكمة «رادوفان كرادجتش» الصربي، أن الصرب أدينوا بالمسؤولية عن التطهير العرقي، الذي ارتكبوه بحق المسلمين في البوسنة، فالمذابح التي جرت فيها هدفها إخافة السكان، ومن الطبيعي أن الناس يخافون ويحاولون الهرب، إما بمبادرتهم أو من خلال الطرد، وهذا ما جرى للفلسطينيين عام 1948، فقد كانت تعليمات مبطنة وتفاهمات صامتة من قيادة الهجناة، وغيرها من المنظمات اليهودية الإرهابية، يراد منها إخافة الفلسطينيين كي يفروا من البلاد، فإسرائيل تريد الأرض بلا سكان.

إن الأطماع الإسرائيلية للسيطرة على أرض فلسطينية بكاملها، وبضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، ليست جديدة، بل الجديد منها، أنهم أصبحوا يجاهرون بها علناً، بينما كان في الماضي يجري تنفيذها بهدوء ودون المجاهرة، فاليوم يشرّعون القوانين للضم التدريجي، وأن قانون التسوية الذي صادقت الكنيست عليه مؤخراً، والاستيلاء على أملاك الغائبين، تندرج في الأطماع والتوسع الإسرائيلي، وهذه الأطماع سبقت قرار التقسيم عام 1947، فقد كان «بن غوريون» يدير العملية السياسية من الخارج، وإلى جانبه قياديون آخرون من المؤتمر الصهيوني، وما تم نشره عن قرار التقسيم أن بعض الدول الأعضاء التي أيدت القرار، حصلت على رشوة، والوعود أو الضغط والتخويف، للتصويت لصالح التقسيم، فقد كشف «بن غوريون» في مذكراته أن زوجته «باولا» التي كانت تدير النشاط من داخل فلسطين، كتبت له أن الرفاق من أحزاب اليمين الموجودين في فلسطين، في نشاطهم لإقامة دولتهم، وقيامهم بأعمال إرهابية كإحدى وسائل الضغط لتحقيق حلمهم، بأنهم غير راضين عن مشروع التقسيم، بل أنهم كانوا يريدون منذ ذلك الوقت أرض فلسطين بكاملها، كجزء من أيديولوجية الحركة الصهيونية، التي أقرها المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، من النهر إلى البحر، إن لم يكن أكثر.

يعترف الكاتب الإسرائيلي «أفيجدور كلانبيرع»، أن اليهودية التقليدية، لا تؤمن بالمساواة، لا بين اليهود وغير اليهود، ولا المساواة بين الرجال والنساء، وحتى لا بين التلاميذ الأذكياء وغير الأذكياء، ويعتبرون أن العربي الطيب، ليس ابن آدم، بل العربي الطيب هو العربي الميت، يضاف إلى ذلك، تمييزهم بين الشرقيين والأشكناز، وكاتب إسرائيلي آخر يدعى «شارون غال» علق يافطة في منزله بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت 8-3-2017، كتب عليها: إذا كان الصهيوني عنصري، فأنا فخور بأن أكون عنصرياً، فهو يكره العرب، ويكره اليساريين اليهود، ومع أننا تعلمنا وعرفنا الكثير عن العنصرية الإسرائيلية، بل إننا ما زلنا في بداية الطريق، لدراسة المجتمع الإسرائيلي، منه السيئ والقبيح، وبينه أقلية محدودة تقاتل هذه العنصرية، فيما الغريب بهؤلاء العنصريين، الذين يسمحوا لأنفسهم بارتكاب الجرائم ضد العرب، فكتاب «التوراة» المقدس لديهم، مليء بالقتل والإرهاب والنهب والسلب، ومع أن هناك من يتوقع أن يحصل تغيير لدى الإسرائيليين، بأن يتقوا الله ويصبحوا واقعيين ومنطقيين، ويحترموا الطوائف الأخرى، فإننا نرى من خلال الاستطلاعات الإسرائيلية، بأن التوجه نحو اليمين والعنصرية، في تزايد مستمر، يحول دون التوصل إلى تفاهم بينهم وبين الفلسطينيين، لكن عنصريتهم وكراهيتهم للآخرين، سترتد يوماً ما عليهم، كما ارتدت على أهل بلاد الصرب.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية