اليمن: قبر مفتوح للجميع

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣٠/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
اليمن: قبر مفتوح للجميع

علي ناجي الرعوي

أنهت (عاصفة الحزم) العسكرية لدول التحالف العربي بقيادة السعودية عامها الثاني في اليمن هذا إن لم تكن فعليا قد دخلت العام الثالث وسط كتلة هائلة من التعقيدات والتباينات المحلية والإقليمية، عدا عن أن طول أمد هذه العاصفة قد أفرز الكثير من التحولات والأجندات الجديدة التي تأسس البعض أو الكثير منها على ما يروم كل طرف تحقيقه أو الوصول إليه بغض النظر عن الأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها الملايين من اليمنيين الذين وصل بهم الحال إلى العجز الكلي عن تأمين لقمة العيش فضلا عن الشعور بالأمان الذي بات يفتقده الجميع.

على مدى عامين سعت الدول الـ12 التي ترفع أعلامها في مقر قيادة التحالف بالرياض إلى تحقيق نصر عسكري يفضي إلى هزيمة ماحقة لقوات أنصار الله والقوات الموالية لعلي عبدالله صالح لكن إشكاليات متعددة حالت دون الوصول إلى ذلك الهدف الذي اصطفت لأجله أكثر من 180 مقاتلة حربية حديثة تناوبت على قصف الأهداف لتلك القوات بما يزيد عن تسعين ألف طلعة بحسب المتحدث باسم التحالف اللواء أحمد عسيري لصحيفة «التايمز» الأمريكية، إذ لم يكن من السهولة للتحالف التحكم بمسارات المواجهات على الأرض بالمستوى الذي تم فيه إغلاق الأجواء اليمنية إلا من طائرات التحالف الأمر الذي تحولت معه هذه المواجهات لحرب استنزاف بدت فيها دول التحالف مضطرة للتعاطي معها سيما وهي من وجدت أن حصيلة عامين من الحرب ما زالت ناقصة أو أنها التي لم ترق إلى مستوى النصر المشرف إذ لا شرعية عادت إلى صنعاء ولا توقف إطلاق الصواريخ على المناطق والمدن السعودية ولا جرى إنهاك قوات أنصار الله وصالح لترغم على الاستسلام والإذعان للمرجعيات الثلاث التي يطرحها التحالف وحكومة الرئيس هادي كمرجعيات للسلام.

صحيح أن (عاصفة الحزم) نجحت في تغيير الخارطة العسكرية على الأرض لصالح القوات الموالية للرئيس هادي والتي جرى تشكيلها بإسناد من التحالف العربي من عشرات الألوية تحت مسمى (الجيش الوطني) كقوة موازية لقوات الطرف الآخر ومتفوقة عليه من حيث التجهيز والإعداد وصحيح أيضا أن التحالف العربي قد تمكن عبر الحرب البرية والجوية والبحرية التي خاضها إلى جانب تلك القوات الموالية لحكومة هادي قد تمكن من تحقيق إنجازات كبيرة قال عنها الرئيس هادي أنها أسفرت عن استعادة السيطرة على 85% من الأراضي اليمنية ومحاصرة أنصار الله وقوات صالح في الـ 15% المتبقية، مع ذلك فإن الشيء الذي لا جدال فيه أن هذه الـ 15% إذا ما افترضنا صحة هذه النسبة تضم أمانة العاصمة صنعاء ومحافظات صعدة وعمران وصنعاء وحجة والمحويت وعتمة والحديدة وذمار واب وأجزاء من محافظات تعز والبيضاء والجوف ومأرب وشبوة وأن هذه النسبة المحدودة غير المسيطر عليها من التحالف وقوات الشرعية يتركز فيها نحو 65% من سكان اليمن إن لم يكن أكثر.
بعيدا عن دائرة الضوء السياسي كثيرا ما نسأل أنفسنا: هل الهدف من دخول التحالف العربي هذه الحرب هو فعلا لمساندة الرئيس هادي وإعادته إلى القصر الجمهوري بصنعاء لقناعة هذا التحالف أن الانقلاب على سلطة هادي يمثل تهديدا حيويا للأمن القومي العربي وأمن دول الخليج كما جرى التبرير عند بدء (عاصفة الحزم) مارس 2015؟ قد يكون هذا سببا غير منطقي للبعض لعلمهم أن هذا ليس السبب الحقيقي الوحيد بل هناك أسباب أخرى منها الظاهر ومنها الخفي بل يكاد سيل الأسئلة لا يتوقف لدى كل من يحاول فحص الدوافع التي كانت وراء اضطرار التحالف لخوض هذه الحرب وتناسي أي معطى آخر ينهي أي تضارب أو تناقض بالأهداف حصل في اليمن بالوسائل السلمية وبالتأكيد فليس من الصعب هنا حصر الأهداف الظاهرة، خصوصاً أن هذه الأهداف ليست بعيدة عن التناول الإعلامي والسياسي على الصعيد الرسمي والشعبي فطالما جرى الحديث عن أن الحرب في اليمن ليست سوى أحد تعبيرات الصراع الإيراني-الخليجي والذي يمثل انعكاسا لأزمة الإقليم الأعمق والحالة السياسية المتشابكة التي تفتح الباب لمزيد من التناقضات الجمة والصراعات الجانبية المفتوحة.
قبل عام تقريبا قال مايكل نايتس الباحث في معهد واشنطن إن دول الخليج اتخذت قرار الحرب في اليمن لكي تقول لإيران إنها قادرة على خوض القتال ومواجهة رغباتها التوسعية في المنطقة بعيدا عن الدعم الغربي وأكثر من هذا بحسب ذلك الباحث فقد شرعت السعودية والإمارات بالسير على هذا الطريق حينما أرسلت قواتها إلى البحرين وتلك كانت بمثابة الخطوة الأولى، فيما جاءت حرب اليمن كخطوة ثانية بعد أن جرى الاستعداد لهذه الحرب منذ زمن طويل.. وغير بعيد عن هذا المنطق فقد أشار الرئيس عبد ربه منصور هادي في حديث لصحيفة الرياض أوائل الأسبوع الجاري من أن (عاصفة الحزم) تكتسي أهميتها الاستراتيجية من كونها قد جاءت لكبح المطامع الإيرانية في اليمن والمنطقة وهذه القراءات توحي تماما أن الهدف الرئيسي من تدخل التحالف العربي لم يكن لكسر شوكة الساعين للانقلاب على السلطة الشرعية وإنما الحرب على إيران في اليمن من أجل إعادة التوازن الاستراتيجي لصالح الدول الخليجية بعد أن شعرت ربما هذه الدول أن ميزان القوى يسير باتجاه التفرد الإيراني وتحكمه في المنطقة.
ومع أهمية ما يقال ويتردد في وسائل الإعلام من أن التحالف العربي قد حصل مؤخرا من الإدارة الأمريكية الجديدة على الضوء الأخضر لمواصلة العمل العسكري في اليمن والانطلاق للسيطرة على الشريط الساحلي الغربي الذي يبلغ طوله 422 كيلومترا بما في ذلك ميناء مدينة الحديدة، وإن إيقاف خطوط الإمداد وإغلاق هذا الشريان الذي يتدفق عبره حوالي 82% من احتياجات السكان في المحافظات الشمالية حتما سيؤدي إلى خنق هذه المحافظات ويمهد أمام التحالف الفرصة لاقتحام العاصمة صنعاء بأقل الخسائر وإذا ما تأكدت هذه الأنباء فإن ذلك يشكل تحولا جذريا في الموقف الأمريكي بالمقارنة مع موقف الإدارة السابقة التي دفعت بقوة في الأسابيع الأخيرة من ولايتها نحو الحل السياسي من خلال خطة أطلقها وزير خارجيتها جون كيري، ومع أن السيطرة على صنعاء تعني الكثير سياسيا وعسكريا لكن هذا لا ينفي حقيقة أن عملا كهذا من شأنه إحداث كارثة أكيدة لن تتوقف تداعياتها عند الضحايا الذين سيسقطون على أبواب صنعاء، بل إن الأمر سيتعدى ذلك إلى إصرار جماعي على الانتحار خاصة من قبل الكتلة التي سيجري التعامل معها باعتبارها عدوا وهدفا في هذه المواجهة وهو ما قد يجعل من صنعاء تتحول إلى ساحة لا مكان فيها لطرف ثالث فإما قاتل أو مقتول، هذا إن لم تصبح أشبه بقبر مفتوح يلتهم الجميع.

كاتب يمني