دروس من ستيف جوبز

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣٠/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
دروس من ستيف جوبز

د. محمد ناجي الكـعـبي
تقف جامعة إستنافورد في طليعة الجامعات العالمية والأمريكية، ومن هذه الجامعة العملاقة تخرج أغلب مؤسسي وادي السيلكون (Silicon Valley) الشهير والذي يُمثل حاضنة التكنولوجية الأمريكية، والذين هم في ذات الوقت مؤسسي شركة أيج بي (HP) ألا وهما ويليام «بل» ريدنجتون هيوليت (William «Bill» Redington Hewlett) ودايفيد باكارد (Dave Packard). وتعود فكرة محرك البحث الشهير جوجل إلى هذه الجامعة أيضا، فأثناء دراسة الدكتوراه لمؤسسي شركة جوجل لاري بيج (Larry Page) وسيرجي إبرن (Sergey Brin) ألهما بفكرة خلاقة ساهمت بشكل كبير في تحسين أداء محركات البحث الخاصة بشبكة الإنترنت، مما اضطرهما إلى ترك الدراسة والتفرغ لشركتهما. كما أن مؤسسي شركة سن مايكروسيستمس (Sun Microsystems) الثلاثة هم من خريجي هذه الجامعة، ومؤسسي الشبكة الاجتماعية لينكد إن (LinkedIn)، والمديرة التنفيذية ورئيسة شركة ياهو! ماريسا ماير (Marissa Mayer)، وإيفان شبيجل وروبرت مورفي مؤسسي السناب شات (Snapchat)، وأحد مؤسسي شركة باي بال (PayPal) ألا وهو بيتر أندرياس ثيل (Peter Thiel)، وبريان أكتون (Brian Acton) أحد مؤسسي تطبيق التراسل الشهير الواتس آب (WhatsApp)، وجاود كريم (Jawed Karim) أحد مؤسسي موقع مشاركة الفيديوات الشهير يوتيوب (YouTube). وتم تطوير موقع شركة ياهو من قبل مؤسسيها جيري يانك (Jerry Yang) وديفيد فيلو (David Filo) داخل الحرم الجامعي لهذه الجامعة، والقائمة تطول لتشمل مديرين وحُكام وممثلين وممثلات وعلماء وحائزين على جائزة نوبل، ولا يمكن لنا أن نحصر سيرة هؤلاء في هذه السطور.

كان الهدف من هذه المقدمة أن نبين أن جامعة بهذا الوزن لا بد لها أن تدعو أشخاصا مميزين في حفل تخرجها السنوي ليلقوا خطبا تتضمن مواعظ تمثل خلاصة تجربتهم. وكان ضيف الشرف في حفل تخرج طلاب جامعة إستنافورد لسنة 2005 المخترع الأمريكي الكبير ستيف جوبز (Steve Jobs) والذي كان قد بلغ من العمر 50 عاما في حينها، وهو بالأصل من أب سوري وهو البروفسور عبد الفتاح الجندلي وأم أمريكية، وقد قررت الأم الشابة والتي كانت طالبة دراسات عليا غير متزوجة في حينها التخلي عنه قبل ولادته لزوجين خريجي جامعة يضمنان لمولودها دخول الجامعة، وكان من نصيب عائلة جوبز. لقد كانت كلمة ستيف جوبز صادمة لي وللكثيرين، لأنها مثلت الحقيقة والواقع بصدق مفرط، وقد تضمنت هذه الكلمة ثلاث قِصص.

وقد صدمني وصدم أغلب من استمع إلى كلمته حينما ذكر في بدايتها بأنه لم يتخرج من أي جامعة، وأن هذه هي المرة الأولى في حياته التي يحضر فيها حفل تخريج جامعي، وقال إن والديه اللذان تبنياه صرفا عليه كل ما يملكان خلال الأشهر الستة الأولى من دخوله كلية ريد (Reed College)، مما اضطره إلى ترك الدراسة فيها، وبقي لمدة سنتين يحضر الدروس في هذه الكلية بصفة مُستمع، وقال إنه كان ينام على الأرض ضمن السكن المخصص للطلبة من أصدقائه، وكان يجمع في وقتها القناني الخاصة بالمشروبات الغازية من القمامة ليبيعها ليعيش، وكان يمشي ما يزيد على 11 كم مساء كل يوم أحد ليحصل على وجبة غذائية جيدة. وقال إن من بين المواد التي درسها وأحبها في هذه الكلية مادة فن الخط (Calligraphy)، والتي ساعدته على التعرف على الخطوط وأنواعها والمسافات الفاصلة ما بين أحرف الكلمات، والمسافة الفاصلة ما بين الكلمات والأسطر، وقد استثمرتها لاحقا بعد 10 سنوات في إنتاج أول حاسوب شخصي من نوع ماكنتوش والذي تميز بخطوطه المتنوعة القابلة للتكبير والتصغير، وهذا لم يكن معروفا من قبل في عالم الحواسيب. وقال إن قرار تركه الجامعة كان قرارا صائبا لأنه تخلص من حضور المواد الدراسية التي لا يحبها، وركز على حضور المواد الدراسية التي يحبها كمستمع.
وبين أن قصته الثانية تدور أحداثها حول الحُب والخسارة، وقال إنه كان محظوظا لأنه التقى بستيف وزنياك (Steve Wozniak) حينما كان عمره 20 عاما ليؤسسا معا شركة أبل (Apple) في كراج والديه، ولتصبح قيمة هذه الشركة بعد 10 سنوات 2 بليون دولار أمريكي، وليبلغ عدد العاملين فيها 4000 موظف، أما قيمتها الحالية فتزيد على 300 بليون دولار. ويقول إنه صُدم وهو في سن الثلاثين وفي بداية ازدهار شركة أبل وكونه مؤسسا للشركة بقرار فصله من الشركة، وأضاف أن هذا القرار جعله حائرا لا يعرف ما العمل الواجب أن يقوم به، ولكن حُب التكنولوجيا والعمل في هذا المجال جعله يقرر البدء من جديد. لذا تبين له لاحقا أن قرار فصله من الشركة كان أفضل قرار بالنسبة له، لأنه أجبره على تأسيس شركة نيكست (NeXT) وشركة بيكسار (Pixar)، والوقوع في حب شريكة حياته. أدت هذه الخطوات لاحقا إلى قيام شركة أبل بشراء شركته الجديدة نيكست، وليعود ثانية إلى شركة أبل، ولولا قرار الفصل لما حدثت نقاط التحول الإيجابي في حياته، نعم قد يكون طعم الدواء غير مستساغ، ولكنه ضروري لكي نتعافى، والمهم أن لا نفقد الثقة بأنفسنا وقدراتنا، وأن لا نستسلم للأقدار.
أما القصة الثالثة التي تضمنتها كلمة هذا المُبدع فتتعلق بالموت، والذي يجب أن لا نغفل عنه، ولأنه لن ينجو منه أي كائن حي، لذا قال إنه تَعلم منذ سن الـ 17 أن ينظر إلى المرآة صباح كل يوم ويتساءل هل هذا هو اليوم الأخير في حياتي، وحين يكون الجواب لا، يبدأ بالتفكير بأن عليه أن يصنع شيئا جديدا، وقد أسهم هذا الهاجس في أخذه لقرارات كبيرة ومهمة أسهمت بشكل إيجابي في الوصول إلى ما وصل إليه. فالشعور بالزهو والفخر والخوف والإحراج والفشل والخسارة والمرض جميعها تسقط وتصبح شيئا ثانويا أمام الموت. لقد ساهم تذكر ستيف الدائم للموت في تجنبه الوقوع في فخ التفكير بأن لديه شيئا ليخسره.

باحث ومتخصص بجودة التعليم

وتكنولوجيا المعلومات