أوروبا والحجاب!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣٠/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
أوروبا والحجاب!

جمال زويد
بدون ضجيج، ومن غير ردّات فعل، وبلا -حتى- بيانات أو على الأقل تصريحات أو تعليقات (خجولة) أو أي نوع من الامتعاض، من غير ذلك كلّه، صدر في منتصف هذا الشهر في أوروبا قرار مجحف ومسيء ضد الحريات التي تتسع هناك بحيث يتصوّر الإنسان إنها بلا ضابط، ولا يقف في وجهها حدود، لكنها عندما تتعلق بالدين فإنهم ينسون تلك المبادئ العامة التي ينادون بها في مجال الحريات والعدل والمساواة.

القرار الذي أقصده، هو الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية التي تتخذ من لوكسمبورج مقراً لها في الرابع عشر من الشهر الجاري أعطت بموجبه الحق للمؤسسات والشركات في أن تحظر ضمن قانونها الداخلي أي إبراز أو ارتداء رموز سياسية أو فلسفية أو دينية للحفاظ على حياديتها. واعتبرت أن «منع الحجاب في إطار قانون داخلي لمؤسسة خاصة يمنع إبراز أو ارتداء أي رمز سياسي أو فلسفي أو ديني في مكان العمل لا يشكل تمييزا مباشرا على أساس الدين أو العقيدة».

وجاء هذا القرار الذي يمنح مختلف الشركات الأوروبية حق منع المسلمات العاملات لديها من ارتداء الحجاب خلال العمل بناء على طلب من محكمة الاستئناف البلجيكية إثر دعوى رفعتها سميرة أشبيتا عاملة استقبال في شركة «جي 4 أس» للمراقبة والأمن تم فصلها من عملها بسبب لبسها الحجاب. وكذلك بناء على طلب فرنسي أيضاً حول الموضوع ذاته يتعلق بمهندسة مسلمة اسمها أسماء بوجناوي فصلتها شركة «ميكروبول» الفرنسية بسبب حجابها أيضاً.
هذا القرار هو أيضاً امتداد لسلسلة من الأحكام والممارسات التي تكشف القناع الزائف الذي تحاول تلك الدول أن تظهر به أمام العالم من قيم المساواة بين أفراد المجتمع وحرية الاعتقاد والفكر التي وصلت حتى إلى حدّ السماح بانتكاس الفطرة من خلال زواج المثليين.
هذه الممارسات الممتدة عبر السنوات القليلة الفائتة التي رأت في الحجاب رمزاً دينيا لم تتمكن من قبوله والتعايش معه وفقاً لمنظومة قيمية تنادي أوروبا من أجلها وتفتخر بها لكنها لا تحتمل الحجاب -الذي هو أحد الفروض الواجبة التطبيق بالنسبة للنساء في الدين- فتصدر تارة أحكاماً بمنع ارتدائه في المدارس وأحياناً في الجامعات، وأحياناً في الأماكن العامة، وها هي الآن -محكمة العدل الأوروبية- تمنح الشركات والمؤسسات الأوروبية حق فصل المحجبات من أعمالهم.

كما يأتي هذا القرار اتساقاً مع تزايد ظاهرة الخوف من انتشار الإسلام (الإسلاموفوبيا) والحشد الذي يقوده اليمين المتطرف في أوروبا في هذا الصدد، وهي موجة آخذة رقعتها في الاتساع، والأخطر هو أن يجري تقنينها في قوانين وتشريعات -ربما- تقوّض أو تسهم في تعريض مئات الآلاف من المسلمين هناك إلى أنواع شتى من التمييز مثلما ذكرت كريستينا لودرز مفوضة الحكومة الألمانية لمكافحة التمييز بعد صدور قرار محكمة العدل الأوروبية «أن حظر الحجاب قد يصعب اندماج المسلمات في سوق العمل».

بدوره علّق سمير فالح الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا على قرار المحكمة: «المسلمون، والمرأة المسلمة على وجه الخصوص، سيجدون أنفسهم في قلب التدافع الحاصل في المجتمعات الغربية، الذي تُسعّر ناره شعارات اليمين المتطرف، ويؤدي ذلك إلى انقسام داخل هذه المجتمعات، وطرح لأسئلة حائرة وحارقة في موضوع الهوية، ونقض لمبادئ وقيم أُسست عليها هذه المجتمعات».

غير أن المؤسف في الأمر، ليس حالة الصمت والسكون من بلداننا الإسلامية على مثل هذه القرارات المسيئة لتعاليم الدين الحنيف اعتماداً على قول أبي الطيب المتنبي (ما لجُرْحٍ بميّت إيلام)، ليس ذلك فحسب، وإنما المؤسف أكثر أنه ما زال البعض يتحدث ويروّج عن التسامح والتعايش بين الأديان فيما أكبر جهاز قضائي في أوروبا أصدر قراره بجواز فصل المحجبات من أعمالهن، وهم الذين صدّعوا رؤوسنا بتقاريرهم عن حقوق الإنسان.

سانحة:

قال الفيلسوف الساخر برناردشو منتقدا تمثال الحرية وساخراً من ظلم الأمريكان: «إني أرى أنكم تقيمون تماثيل لموتاكم العظام».

كاتب بحريني