شوكة تركية بين ضفتين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٩/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٦ ص
شوكة تركية بين ضفتين

خافيير سولانا

فيما يحاول الاتحاد الأوروبي مواجهة عاصفة القومية التي تهدد مؤسساته الأساسية، يحقن بعض أكثر حلفائه الاستراتيجيين أهمية المناخ السياسي الحالي بالمزيد من الشكوك وعدم اليقين. ومن الأمثلة الواضحة هنا تركيا، التي التحقت بعضوية منظمة حلف شمال الأطلسي في العام 1952، وكانت مرشحة رسميا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ العام 1999.

على الورق، تبدو تركيا وكأنها دولة مثالية للعمل كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط. ولكنها الآن اتخذت منعطفا مقلقا بعيدا عن أوروبا، حتى أن الرئيس رجب طيب أردوجان يتهم الحكومتين الألمانية والهولندية بالتصرف مثل النازيين.

منذ تعرض لمحاولة انقلاب في يوليو الفائت، اغتنم أردوجان فرصة حالة الطوارئ الوطنية لاتخاذ وضع الهجوم وتعزيز سلطته. وساعدت طفرة تأييده الشعبي في تعزيز استراتيجيته الجديدة المتمثلة في الحكم من خلال إصدار المراسيم. وحتى الآن جرى فصل مئة ألف موظف حكومي أو وقفهم عن العمل، وأُرسِل العديد من خصوم أردوجان السياسيين إلى السجن. كما أُغلِق عدد كبير من منظمات المجتمع المدني والمنافذ الإخبارية، والآن تحمل تركيا الشرف المشين المتمثل في الرقم القياسي على مستوى العالَم من الصحفيين وراء القضبان.
علاوة على هذا، يمارس أردوجان الضغوط لفرض إصلاح دستوري عن طريق الاستفتاء في منتصف أبريل، والذي من شأنه أن يحول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وفي حالة إقرار هذا الإصلاح، فسوف يكتسب أردوجان صلاحيات تتجاوز حتى تلك التي تمتع بها «الأب» المبجل لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وقد حذر مجلس أوروبا من أن هذا الاستفتاء قد يفتقر إلى النزاهة، لأنه يُعقَد في ظل حالة الطوارئ. وفي هذه الظروف، يوجه استفتاء بهذا الحجم ضربة أخرى للديمقراطية التركية، مع اكتساب أردوجان المزيد من الحرية في ملاحقة سياسته الخارجية المتزايدة التقلب والتمرد.
رغم اتفاق مارس 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي الخاص بإدارة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، يبدو أن التوترات السياسية أصبحت هي القاعدة الجديدة في العلاقات الثنائية. فقبل بضعة أسابيع، انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أردوجان بسبب هجومه على حرية الصحافة، ومن جانبه، دأب أردوجان على التهوين من بشاعة النازية في تعليقاته التي انتقد فيها إلغاء المسيرات المؤيدة للاستفتاء، بسبب مخاوف أمنية في ألمانيا وهولندا.
بيد أن أردوجان لا يستطيع أن يختبئ خلف اتفاق اللاجئين لإطلاق إساءات غير مقبولة. ورغم أن الاستجابة للغضب بالمزيد من الغضب ممارسة هَدّامة، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إرسال إشارة واضحة مفادها أن شراكته مع تركيا قيمة للغاية، ولكنها ليست غير مشروطة. ويُعَد البيان المشترك الأخير الصادر عن ممثلة الاتحاد الأوروبي العليا فيدريكا موجيريني والمفوض يوهانز هان -الذي دعا تركيا إلى «الامتناع عن إطلاق التصريحات والتصرفات المتجاوزة»- بداية طيبة.
الواقع أن التوترات المتنامية بين تركيا والاتحاد الأوروبي تزامنت مع تغيرات أخرى مهمة طرأت على سياسة تركيا الخارجية. فبعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في نوفمبر 2015، تصالح أردوجان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بسرعة كانت مدهشة. ثم بدأت تركيا تتعاون مع روسيا في الحرب في سوريا، وتدخلت عسكريا في الصراع في أغسطس 2016. صحيح أن قابلية التحالف الروسي التركي الناشئ للاستمرار في الأمد البعيد موضع شك، ولكنه حقق بلا أدنى شك نتائج على الأرض في سوريا.
يتمثل أحد أهداف تركيا الرئيسية في سوريا في إيقاع الهزيمة بتنظيم داعش الذي شن العديد من الهجمات الإرهابية على الأرض التركية. ولكن الحكومة التركية تأمل أيضا أن تتمكن من منع إنشاء كردستان المستقلة التي قد تفرض نفوذها في جنوب شرق تركيا.
ولتحقيق هذه الغاية، تستهدف السلطات التركية حزب الاتحاد الديمقراطي، بزعم ارتباطه بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأردوجان جماعة إرهابية. ولكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشعران بالقلق إزاء الهجمات التركية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، نظرا لدوره المركزي في التصدي لتنظيم داعش. وحتى الآن لم تُظهِر إدارة الرئيس دونالد ترامب أي استعداد لسحب الدعم الأمريكي لحزب الاتحاد الديمقراطي.
تشكل المسألة الكردية مصدرا قديما للشكوك الجيوسياسية في المنطقة. وعلى هذا، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يواصلا الضغط على أردوجان لحمله على ملاحقة أولويات معقولة يتفق عليها الجميع على وجه التحديد، إنهاء همجية تنظيم داعش. وسوف يتطلب تحقيق هذا الهدف إقامة تحالف شامل بقدر الإمكان وقادر على الاستيلاء على الرقة، معقل داعش في سوريا.
ورغم عداوة أردوغان المتنامية، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتردد في الدفاع عن علاقاته مع تركيا، أو في تذكير تركيا أن العلاقة كانت مفيدة للطرفين. فقد ساهم اتفاق الاتحاد الجمركي للعام 1995 بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل كبير في التنمية الاقتصادية التي حققتها تركيا.
قد تستمر التوترات في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى أن يُستَعاد السلام في سوريا، ولكن هذه التوترات ليست حتمية بالضرورة. ذلك أن بضع خطوات من شأنها أن تساعد في تخفيف التوتر. فينبغي للحكومة التركية أن تتبنى سياسة خارجية أقل شذوذا وانحرافا وأن تسمح للمواطنين بالتعبير عن أنفسهم بحرية في الاستفتاء المقبل وغيره من مناسبات التصويت في المستقبل. ومن جانبه، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يحترم ويصون التزامه بفكرة تركيا المستقرة التعددية.. تركيا التي تسمح بتألق دينامية مواطنيها.

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن سابقا