تحت سماء.. فرعونية

محمد سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby

كان النهار بهيا..

والحياة تورق في شرايين المدينة، فتقف جموع السياح تقرأ سيرة عظمة مصر في الكتاب الفرعوني العتيد.
كان المجد قصيا..
يبدأ منذ آلاف السنين.. رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون يسردون الحكاية تلو الحكاية، ونفرتيتي تعيد اتجاهات بوصلة الجمال إلى العرش الملكي فيضيء بر مصر، شرقيه وغربيه.. وتشمخ أعمدة الأقصر أكثر، وترتفع القرابين إلى قدس الأقداس لأجل أن تتحقق الأمنيات ويفيض النيل بالبركات.
قال المرشد السياحي إن خطأ عالم آثار فرنسي فتح الباب أمام مياه فيضان النيل فغرق المكان.
وبين بهاء النهار والمجد العتيد المتساقط شعرت أن روح الفراعنة تسكن تلك التماثيل الضخمة فعينا رمسيس ترقبني، إذ رأيته يتمنطق الخنجر، كيف لي أن لا أنتبه إلى الخنجر وقد رأيته من قبل عشرات المرات!
كان طريق الكباش على مدخل الكرنك موحيا لأفكار تداعت.. وعظمة المكان تداعت أمام الناظرين، فما بقي لا يساوي ربع ما رأيناه على مجسم تقريبي للمدينة قبل أن يعمل الزمن فيها بمعاوله.
وفي الليل ارتدى المعبد حلة الضوء، وكان ساحرا بسكينة العتمة والرهبة، السير بين الأعمدة الشامخة والتماثيل الضخمة في زمن مخفور بعظمة حضارة بناها الفراعنة قبل آلاف السنين وبقيت شواهدها تقاوم جريان الدهر.. فتلك المسلة المنغرسة في قلب عتمة الليل تضيئها الأضواء العصرية وهي في وقوفها الشامخ كما فعلته مسلات أخرى سرقت من هذه الأرض لتشمخ في قلب باريـــس ونيويورك ومدن أخرى دالة على أن حضارة مصر أعظم من كل الظروف والتحديات.
صبــيحــــة اليــوم التــالي بــــدا البر الغــربــي مدهشا..
ألمحه من جهة الشرق حيث نافذة الغرفة على السفينة تعكس لوحة صفاء الماء والقوارب السائرة نحـــو أرزاق الصيادين في عمقه.
عبرنا الجســـر الواصل بين البرين، سالكين الدرب المنساب على امتداد حقول قصب السكر.
الطريق محفوف بالحسن المتدفق على الضفتين.. حتى إذا وصلنا وادي الملوك حانت لحظات الدخول إلى مقابر.. من مجد بهي في نهار يولد من جديد.
نحو 60 مقبرة ملكية نحتت في باطن الجبال.. هناك أعدوا عدتهم للحياة الآخرة.. يسيرون على مراكب الشمس نحو إله الشمس رع.. منذ اليوم الثاني لاستلام الحكم يبدأ كل فرعون بتجهيز نفسه للحياة الأخرى، فالدنيا طريق قصير وعليه أن يستعد لعبور البوابات بالإجابة عن الأسئلة ويكون قلبه متوافقا مع ريشة العدالة على الجانب الآخر في الميزان.
في كل مقبرة حكاية.. النقوش والرســـومات على الحيطان عبر الممر ووصولا إلى التابوت.