مدن.. ومساءات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
مدن.. ومساءات

محمد سيف الرحبي

تغفو المدن حينما ينسحب الضوء تاركا للعتمة فرصتها.. فتستيقظ الذاكرة لتوثق اللحظات.
حدثتني نفسي أن أتنقل بين مدن عدة على امتداد عدة أمسيات.. هكذا مرت الليالي من الشارقة إلى مسقط ثم القاهرة والإسكندرية والأقصر.. في صعيد مصر.
كانت الأفكار على الورق..
كيف سأطير من مدينة إلى أخرى، ليلة في كل مدينة.. مقاوما الرغبة في الإقامة على أفرشتها مهما بلغت جاذبية..
تجربة سفر متعددة التنقل.. بالطائرة والقطار والسفينة، ووجوه تتنوع في قاعات الانتظار.
رائع أن تبتهج بتحويل الأمنيات لتراها بأم عينيك.. من غرفة أولى في فندق بخمس نجمات إلى منزل بما لا يحصى من نجمات الأمان النفسي في مدينة الهدوء والروقان.. ثم إلى شقة قاهرية مهما حاولت أن تصعد في طوابق البناية ستأتيك الأصوات في مدينة لا تنام.
وكانت عروس البحر الأبيض المتوسط تعيش طقسها الأروع.. ربيعها الذي يجملها أكثر، كما يليق بفرحها وهي تجاور البحر وتحاوره..
أما الأقصر فهي حكاية النيل والإنسان والعين التي تكتب الجمال على صفحات الماء.
زرتها قبل عشرين عاما.. بعد أيام من تفجيرات معبد حتشبسوت، وأعود إليها وقد تكدس فوق هضبة العمر عقدان من الزمان.. وبين التجربتين أسفار ومدن وأوراق قربت الخريف أكثر.
لكنه الربيع الأقصر يبدو مختلفا.. كأنه يرفض فكرة خريف العمر ليستيقظ اخضرارا على ضفاف المكان.
المكان سحر.. والكتابة محاولة عصية لتوثيق اللحظة..
كيف أكتب عن بهجة طائر أبيض يقترب من نافذة غرفة على سطح سفينة أكاد أنسى أنها كذلك.. وكأنها فندق على الماء رغم ببساطتها؟!
كيف أصف ابتسامة سائق سيارة الأجرة، عم سيد، وهو يرفض مبلغا إضافيا لأنه يحمل أخلاق الصعايدة؟
سألته عن آخر نكتة عن الصعايدة فضحك وقال: نحن اللي جبناه لنفسنا.. لكنه سرد مجموعة منها أضحكتنا.. وأبقتنا أصحابا نتصل به في كل مشوار.
كانت العصافير تبتهج بجوارها النيلي فتتراقص على طاولات المطعم تراوغ الجالسين لتنعم بحريتها.. وتلتقط ما يملأ حوصلاتها مفسحة لأجنحتها حالات الطيران الحر.
لم يكن المكان مزدحما رغم مثالية الطقس، والسياحة الأثرية تجتذب الأجانب أكثر، خاصة كبار السن الهاربين من صقيع أوروبا.. إلى دفء الشرق وسحره.
عدد السياح مازال أقل بكثير مما كان قبل أن يوقد عام 2011 حرائقه في بلداننا العربية.. ومصر تتحدث عن خسائرها الثقيلة في قطاع السياحة.. هذه التي ترتفع درجة حساسيتها تجاه مفردة الأمان.. كونها عامل الجذب السياحي الأول، وبدونها لن يجدي ترويج الأمكنة مهما بلغت روعة وجمالا.