رئيس متقلب ومخادع

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
رئيس متقلب ومخادع

لوسي ماركوس

يهيئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمريكا إلى جحيم جديد مستفيداً من كل مهارات مشعل الحرائق المخضرم، فلقد أدت تصرفاته إلى تفاقم حالة عدم الأمان وعدم الاستقرار والخوف في حين أنه يجعل السكان في مناطق أخرى من العالم أكثر عرضة للتأثر بمشعلي الحرائق السياسيين، فالناخبون في الولايات المتحدة الذين ظنوا أنهم يدعمون رجل الإطفاء القدير الوحيد المتاح أمامهم قد تعرضوا للخداع.

ولكن ترامب ماهر بالتلاعب بالتصورات، ولكي يشتت الانتباه بعيداً عن السياسات الاشتعالية المحتملة، أطلق اتهامات لا أساس لها ضد أعدائه المفترضين بدءا بوسائل الإعلام. إن إظهار ترامب للتغطية السلبية على أنها «أخبار كاذبة» ساعده على تشتيت انتباه الناس بعيدًا عن الفضائح الكبيرة والصغيرة مثل تعارض مصالح أسرته وصفقات الأعمال المريبة التي أبرمها حول العالم ووجود العنصريين البيض بين كبار موظفيه ورفض التدريب على الأخلاقيات لكبار موظفي البيت الأبيض وغير ذلك الكثير.
وربما أبرز الفضائح كانت تلك التي تتعلق بسلسلة التسريبات التي تربط بين إدارة ترامب وروسيا، بما في ذلك استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين بسبب «تضليل» نائب الرئيس حول طبيعة محادثات حصلت قبل تنصيبه مع سفير روسيا في الولايات المتحدة وعندما أثبتت تهمة «الأخبار الكاذبة» عدم كفايتها لإسكات الهمسات، سحب ترامب مسدسه الكبير (والذي لا يزال خيالياً)، وغرد أن الرئيس باراك أوباما وضع أجهزة تنصت في برج ترامب قبل الانتخاب.
وفي خضم محاولات ترامب لاسترضاء الناخبين، استمر ترامب على طريق الهدم الذي انتهجه وخفضت ميزانيته المقترحة الأولى تمويل البرامج الاجتماعية وجهود خفض استخدام المخدرات والإتجار بها والفنون والعلوم المناخية والأبحاث الطبية والتعليم وبرنامج الوجبات المتنقلة (توصيل الأغذية لكبار السن) والمساعدة المالية لطلاب الجامعات منخفضي الدخل وبرنامج التغذية التكميلية للنساء والرضع والأطفال وغير ذلك وهو عاقد العزم على إزالة الحماية البيئية أيضا فمن أوائل الإجراءات الرئيسية التي اتخذها هي إلغاء قاعدة تقيد شركات الفحم من ضخ فضلات التعدين في المجاري المائية وفي الوقت نفسه سوف يمضي ترامب قدما في تحقيق هدفه المتمثل في زيادة مصروفات الدفاع بدرجة كبيرة وحتى لو عرضت سياساته بعض أفراد الأسر العسكرية الأمريكية إلى خطر الترحيل.
إن بعض تلك التحركات سيئة للغاية وينبغي على الشركات أن تقاوم الاستفادة منها، حتى لو بدت مفيدة للشركة على المدى القصير وعلى أعضاء مجلس الإدارة والتنفيذيين أن يتذكروا أنهم كذلك آباء وأبناء وشركاء وأصدقاء وعليهم أن يخشوا مستقبل يعمه التلوث ويعاني من نقص التعليم وظروف العمل البائسة والكوارث الجوية الشديدة المتزايدة والصراعات الجيوسياسية وتدمير البرامج والسياسات التي أنشئت لبناء مستقبل آمن وأكثر ضمانا ورخاء للجميع.
ترامب ليس قائدًا، ولا يمكنه أن يبني بل يستطيع فقط أن يشتت الانتباه وأن يدمر ويضع اسمه على الذي بناه الآخرون وينطبق ذلك على الحائط الذي اقترحه على الحدود الأمريكية مع المكسيك، والذي سوف يتفوق على جميع المباني في كل العالم من البرازيل إلى أندونيسيا الذي سمح ترامب باستخدام اسمه عليها وسوف يتفوق هذا الحائط في الحجم والنطاق والشهرة على سد هوفر وجبل راشمور ولا يوجد أي طريق سريع أو مطار سمي باسم أي رئيس أمريكي سوف يقترب من عظمته. (والشيء الوحيد الذي لا يرغب ترامب في وضع اسمه عليه هو مقترح الرعاية الصحية الجديد الذي قدمه الجمهوريون والذي تعرض لانتقادات واسعة إذ يعتزمون أن يحل هذا القانون مكان قانون أوباما الشهير لتوفير الرعاية الصحية ميسورة التكلفة).
وما التالي؟ ربما سوف يتبع ترامب نموذج سابارمورات نيازوف، أول رئيس تركمانستاني مدى الحياة، ويبدأ إعادة تسمية شهور السنة بداية من شهر «ترامبيواري».
وهذا السخف ليس من الضروري أن ينتهي هناك، وبما إنه قد بدأ بالفعل في تطبيق مبادئ المحسوبية ومحاباة الأقارب فلم لا يعين زوجته نائب رئيس مثلما فعل رؤساء أذربيجان ونيكاراغوا أو يبدأ بالتنقل بزي عسكري مزيف مصنوع على حسب مواصفاته الخاصة (تصنعه له أحد مؤسسات ترامب وتصنع في الصين بالطبع) ولقد زار بالفعل ناقلة طائرات وهو يرتدي جاكيت قصيراً عصرياً وقبعة.
ولا حتى ترامب نفسه يصدق تصرفاته ولا يمكن بالطبع أن يستمر في ذلك لمدة طويلة وأسلوب حكمه الذي يعتمد على التضليل يعني أنه سوف يكشف دائمًا عن ذاته الأصلية، سواء كان ذلك من خلال المزاعم الجنونية مثل مزاعم التنصت عليه، أو عندما يكشف عن نواياه الحقيقية مثل عندما قال إن الحظر الأخير على السفر هو فقط نسخة مخففة من الحظر الأصلي. إذن متى يصبح هذا الأمر برمته شديد السخف؟ ومتى يتوقف المعلقون عن الثرثرة حول أن ترامب أصبح يتصرف أخيرا كرئيس في كل مرة يلتزم فيها بالنص؟ ومتى سوف يتوقفون عن التعامل مع كل تغريدة جامحة على أنها جزء من خطة عقلانية؟
وزاد أتباع ترامب الطين بلة فكثير منهم ليسوا معتادين على الحياة تحت الأضواء فعلى سبيل المثال ذكر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أنه ليس «شخصًا مناسبًا للتعاطي مع الصحافة والإعلام»، ولذا يسافر حول العالم بدون أن يصطحب معه صحفيين وهذا غير مستغرب على مدير تنفيذي سابق لشركة نفط متعددة الجنسيات، ولكنه غير عادي بالمرة لمن ارتقى قمة السلم الدبلوماسي الأمريكي. لقد قطع تيلرسون رحلته إلى كوريا الجنوبية في منتصف أزمة متصاعدة في شبه الجزيرة بسبب الإجهاد (وهذه عبرة لتتذكر أنه لا ينبغي أن ترسل رجلاً ليؤدي دور امرأة).
وأثناء انشغال ترامب بالتلاعب بالمظاهر وعروض الأداء، فإن بقية العالم يشعرون بالقلق إزاء برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية، والأزمة في سوريا، ومفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتغير المناخ والتهديد المتنامي للمجاعة في اليمن والصومال وجنوب السودان ونيجيريا وفي ظل تلك الظروف، فإن آخر شيء يحتاجه العالم أن يتبوأ رئاسة الولايات المتحدة رئيس متقلب ومخادع بلا خجل ناهيك عن كونه رئيساً يحب اللعب بالنار.

المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ماركوس فينشر للاستشارات المحدودة