العودة الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٦/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٨ ص
العودة الأمريكية

أحمد المرشد

لا شك أن الكثير يوافقني إذا قلت إن المشهد السوري برمته يصيب المتابع له بالبلبلة والتخبط، فلا يمر يوم على التطورات في سوريا إلا وتغيرت وتبدلت، فبين عشية وضحاها نرى تقلبات وذبذبات في موازين القوى هناك، فتارة يتغلب النظام على معارضيه، وتارة أخرى تكون الغلبة لقوى المعارضة. بيد أن الدخول الأمريكي الأخير على الملف السوري خاصة في ضوء التغيرات الإستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال هذا الملف وضعت النظام السوري برئيسه بشار الأسد في مأزق، فيما تنفست المعارضة الصعداء على خلفية قرار ترامب إرسال جنود مقاتلين إلى سوريا لمواجهة داعش والنظام معا.

لم يكن الارتباك من نصيب بشار وقواته فقط، فأبرز داعميه -روسيا وإيران- أصيبا بهزة أيضا من موقف ترامب الأخير، خاصة وأن سلفه باراك أوباما منع تماما إرسال جنود مقاتلين واكتفى بالمستشارين العسكريين، ليس لمناصرة المعارضة المسلحة ولكن لإجهاض تقدم عناصر تنظيم داعش الإرهابي في المناطق السورية والعراقية خوفا من تمدده.
نعود للبداية التي تحدثنا عنها بشأن التخبط في الأوضاع السورية، فقبل أيام هز تفجيران انتحاريان منفصلان دمشق وأسفر عن مقتل العشرات وإصابة أكثر من 100 آخرون. يأتي ذلك في اليوم الذي دخلت فيه الحرب السورية عامها السابع وسط تعثر جهود التوصل لإنهائها.. ومن مفارقات هذين التفجيرين، أن أحدهما استهدف محكمة الحميدية وسط دمشق، والذي يضم قاعات عدة محاكم ومكتب وزير العدل، ليلقى نحو 39 شخصا مصرعه على الفور. مبعث أهمية تفجير المحكمة، أنها تقع وسط منطقة أمنية مشددة وبها مكتب وزير العدل، وكان قد سبق هذه التفجيرات، أحداث انتحارية أيضا في دمشق أسفرت عن مقتل 74 شخصا عند موقع ديني في دمشق. والأهمية الأخرى لمثل هذه التفجيرات أنها تقع داخل دمشق، أي المنطقة المحسوبة على القوات الحكومية، أي أن الانتحاريين اقتربوا من قصر الرئاسة وباتوا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إليه.
نعلم جميعا أن الجيش السوري كان الأكثر حظا في الانتصارات في المعارك الأخيرة بسبب الدعم الروسي والإيراني، حتى أن البعض اعتبر الرئيس بشار الأسد صاحب اليد العليا في ساحة القتال السورية، ولكن بعد هذه التفجيرات، باستطاعتنا أن نقول إن الأسد ناله من ناله من غم وبؤس، وذلك بعد ستة أعوام على بداية الاحتجاجات التي تحولت إلى حرب أهلية في سوريا، غير أن الصراع أبعد ما يكون عن النهاية بعد أن انقسم هذا البلد -الوديع في السابق- إلى مجموعة من الجيوب يحكمها أمراء حرب وقيادات معارضة.
إدارة الرئيس الأمريكي الجديد لم تتأخر في إعداد الخطة التي كان قد طلبها لتحديد دور وسياسة واشنطن الجديدة في سوريا، بعد مرحلة طويلة من سياسة باراك أوباما التي عابها «الانكفاء»، الأمر الذي قدم سوريا على طبق من ذهب لروسيا وإيران، ليتمكنا معا من توسيع مناطق نفوذهما، على حساب الأطراف التي دعمتها الولايات المتحدة عند اندلاع الأزمة في العام 2011. ووفقا لما تسرب من الإدارة الأمريكية حتى وقتنا الراهن، فالخطة تشير إلى مشاركة 400 من عناصر مشاة البحرية (المارينز) إلى سوريا، بالإضافة إلى نشر ألف جندي إضافي، لتزيد بذلك القوة الأمريكية في منطقة شمال سوريا وحدها إلى ألفي جندي. وإن كان بإمكان ترامب إرسال المزيد من الجنود إلى أرض المعركة في سوريا، فهو يتحين الفرصة لذلك حتى لا يغضب الداخل الأمريكي، الذي استاء من جملة الحروب التي خاضها الجيش الأمريكي في خارج بلاده منذ سبتمبر 2001، أي عندما بدأت الحربين الأفغانية والعراقية التي أسفرت عن مقتل آلاف الأمريكيين وإصابة الآلاف.
ربما لم نشهد تغيرا فعليا من هذا التطور الأمريكي الجديد، ولكن الوقت لم يحن بعد لنرى النتائج، ولكن المؤكد أن الاحتمالات تشير إلى أن سوريا ستشهد قريبا تقاسم نفوذ بين واشنطن وموسكو، بغض النظر عن رضا روسيا على التدخل الأمريكي الأخير. فإعلان واشنطن يقول للداخل أن الأولوية تستهدف من التدخل في سوريا مكافحة الإرهاب، وبالتالي التأثير على مسار الانتقال السياسي سواء في مفاوضات جنيف أو آستانة.
وبالإضافة إلى إرسال الجنود الأمريكيين إلى سوريا، فلدى واشنطن في الوقت الراهن بعض القوى من المعارضة ومنها «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية، ولكنها تضغط في نفس الوقت لدعم هذه القوات بعناصر عربية منذ انطلاق معركة تحرير الرقة، وذلك لتحقيق هدفين في نفس الوقت: الأول، احتواء ردود الفعل التركية الرافضة للدعم الأمريكي المطلق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات الحماية الكردية. ثانيا، لتخفيف التوتر في أوساط العشائر العربية، ولهذا نرى أن غالبية من قوات سوريا الديمقراطية، التي تعزل الرقة حاليا، هي من السوريين العرب، وهذا انعكاس للتوزيع السكاني الموجود في المنطقة.
وإن كانت المساحة لا تكفي للاستفاضة في موضوع التدخل الأمريكي في سوريا خاصة عبر حلقات المفاوضات الأخيرة، يتعين الإشارة إلى ما ذكره أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أن على الدول المؤثرة على الأطراف السورية أن تتجاوز خلافاتها لوضع حد للصراع الذي دخل عامه السابع، مشددا على ضرورة الاستفادة من اتفاق «آستانة» وتوصيل المساعدات للمحتاجين. وأضاف: «السلام في ســـوريا واجب أخلاقي وسياسي على حد سواء للشعب السوري وللعالم، وهو حتمية لا تحتمل الانتظار».
ولهذا، فإن انقضاء 6 أعوام على النزاع في سوريا، هو أمر مؤلم عربيا وعالميا، فالمدنيون هم ضحايا لواحد من أسوأ الصراعات في العصر الراهن، والحرب لم تنته بعد، ولكن التطور الجديد هو التدخل الأمريكي لموازاة الدعم الروسي، وهنا يتعين على القمة العربية المقبلة بعمّان أن تبذل أقصى جهودها للتأثير على كل أطراف النزاع، سعيا لتجاوز خلافاتهم والعمل معا لوضع حد للصراع، وإنجاح المفاوضات السورية - السورية سواء في جنيف أو آستانة.

كاتب ومحلل سياسي بحريني