من الذي يهدد أوروبا حقاً؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٦/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٨ ص
من الذي يهدد أوروبا حقاً؟

سيمبليس أسونجو

يسوق معارضو الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي عادة حُجة أو أكثر من أربع حجج جاهزة: فالمهاجرون يضعفون القيم المسيحية، ويقوضون المؤسسات الديمقراطية الليبرالية، ويجلبون الإرهاب، ويثقلون كاهل الميزانيات العامة. وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فإن هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي لديه من المبررات ما يكفي لإغلاق حدوده بل هو ملزم بإغلاقها. غير أن أيا من هذه الحجج لا تصمد في وجه التمحيص والتدقيق في حقيقة الأمر.

ولنبدأ بحجة ضياع القيم الثقافية المسيحية، والتي حظيت مؤخرا بقدر كبير من الاهتمام في الدوائر العلمية والسياسية ودوائر صنع السياسات. يشير معارضو الهجرة عادة إلى الانخفاض الهائل الذي طرأ على الحصة من سكان أوروبا الذين يمكن تعريفهم بأنهم مسيحيون - من 66.3 % في أوائل القرن العشرين إلى 25.9 % في العام 2010- وهو ما يعزونه جزئيا إلى اقتران معدلات الهجرة المرتفعة من دول ذات أغلبية مسلمة بانخفاض معدلات المواليد بين الأوروبيين الأصليين.
لكن الجماعات المناهضة للهجرة لم تقدم أي أدلة تجريبية ذات أهمية تُذكَر لدعم هذا الادعاء. في واقع الأمر، عندما ينظر المرء إلى البيانات، سرعان ما يتبين الثغرات الواضحة في حججهم.
فبادئ ذي بدء، لا يرتبط انخفاض نسبة السكان المسيحيين في أوروبا بارتفاع مماثل في نسبة المسلمين. فوفقا لمؤسسة بيو للبحوث كانت حصة المسلمين من سكان أوروبا تنمو بمعدل نحو نقطة مئوية واحدة كل عقد من الزمن، من 4 % في العام 1990 إلى 6 % في العام 2010. ومن المتوقع أن يشكل المسلمون نحو 8 % فقط من سكان أوروبا بحلول العام 2030.
على أية حال، ليس كل المهاجرين إلى أوروبا من المسلمين. فكثير منهم، بما في ذلك من دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا ومن دول أمريكا اللاتينية، مسيحيون. وإذا أضفنا إلى هذا التحولات الدينية بين الأوروبيين «الأصليين»، الذين يختار كثيرون منهم الامتناع عن الذهاب إلى الكنيسة أو تعريفهم باعتبارهم متدينين، فسوف يتبين لنا بوضوح أن الادعاءات حول المهاجرين الذين يتسببون في إضعاف المسيحية في أوروبا ليس لها أي أساس من الصحة في الواقع.
بطبيعة الحال، قد يزعم مناهضو الهجرة أن التهديد الموجه إلى أوروبا ليس مسألة الديانة الرسمية بقدر ما يرتبط بالقيم المغروسة في المجتمعات المسيحية في أوروبا، والتي تقوم عليها المؤسسات الديمقراطية الليبرالية. واستشهادا بالممارسات الثقافية الرجعية -بدءا من إخضاع النساء للعنف الممارس ضد الأقليات الدينية والجنسية- في الدول الاستبدادية والمبتلاة بالأزمات والتي يأتي منها المهاجرون عادة، يزعم المعارضون غالبا أن المنتمين إلى هذه الثقافات لا يمكن استيعابهم بالشكل المناسب في أوروبا. ووفقا لشخصيات من أمثال مارين لوبان في فرنسا، وغيرت فيلدرز في هولندا، وفيليب دوينتر في بلجيكا، فإن المهاجرين يجلبون معهم ثقافتهم، فيقوضون بالتالي المؤسسات الأوروبية. ولكنهم مرة أخرى لا يقدمون أي دليل مقنع على هذا الزعم، ولا يميزون بين المجموعات المهاجرة.
الحقيقة هي أن بعض الدول النامية العلمانية لديها قيمها ومؤسساتها الديمقراطية التي لا تختلف عن تلك في أوروبا، وربما تفتقر هذه الدول ببساطة إلى الفرص الاقتصادية التي تقدمها أوروبا. ولكن حتى المهاجرين القادمين من دول تحكمها أنظمة استبدادية وتتبنى معايير ثقافية مثيرة للمشاكل، يعتنقون نفس المعيار القانوني الذي يعتنقه الأوروبيون بمجرد وصولهم إلى أوروبا. وهم نادرا ما يترشحون لأي منصب سياسي من شأنه أن يمكنهم من إعادة تشكيل المؤسسات الأوروبية.
ومع ذلك، يُعلِن ساسة اليمين في أوروبا أن المهاجرين قادرون على جلب الأصولية الدينية معهم، وتهديد الأوروبيين بالإرهاب الذي يمزق بلدانهم الأصلية. وهذه أيضا حجة معيبة، لأنها تخلط بين الدين والإرهاب.
الواقع أن نسبة ضئيلة للغاية من السكان المسلمين يتعاطفون مع الأصولية الراديكالية. فاعتبارا من العام 2010، كان هناك ما يقدر بنحو 1.6 بليون مسلم في مختلف أنحاء العالم، ومن الواضح أن عدد الإرهابيين أقل كثيرا. والحقيقة الأكثر إثباتا لضعف الحجة الشعبوية هي أن أفرادا ولدوا ونشئوا في الاتحاد الأوروبي، وليس المهاجرين، كانوا مسؤولين إلى حد كبير عن الهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا. وحتى أولئك الأفراد -الذين اكتسبوا التطرف ذاتيا على الإنترنت غالبا- لم يكن الدين دافعهم بالضرورة بقدر ما كانت دوافعهم راجعة إلى مظالم مثل التهميش الاقتصادي والحراك الاجتماعي المعطل.
الحجة الأخيرة الشائعة ضد الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي اقتصادية في الأساس. تُظهِر الدراسات الاستقصائية أن أغلبية الأوروبيين يعتقدون أن المهاجرين يمثلون عبئا اقتصاديا ثقيلا، نظرا لبرامج الرعاية الاجتماعية السخية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، ويساهمون بالقليل في المقابل. وعندما لا يعيش المهاجرون عالة على دافعي الضرائب، فإنهم يتسببون في إضعاف أجور الأوروبيين ويأخذون وظائفهم.
ما هي الحقيقة إذا؟ في السنوات القليلة الأولى، لا يدفع أغلب المهاجرين الضرائب ويعتمدون على الخدمات العامة. ولكن بمجرد حصول المهاجرين على الفرصة للاستقرار في بلدانهم الجديدة واكتسابهم للمعرفة اللازمة والتدريب، فإنهم يُقبِلون على المساهمة اقتصاديا.
في أوروبا، حيث تنتشر الشيخوخة السكانية بسرعة، سوف تثبت هذه المساهمات أهميتها البالغة. فسوف يُصبِح المهاجرون في الأمد الأبعد محركا حيويا للنمو ومصدرا للإيرادات الضريبية اللازمة لتمويل استحقاقات الضمان الاجتماعي. ويتعين على الأوروبيين أن يكونوا على استعداد ببساطة لتحمل تكاليف الأمد القريب المتمثلة في إدماج وتدريب هؤلاء الأفراد.
عندما يسوق المرء الحجج لصالح منع الناس -وخاصة اللاجئين الفارين من العنف والاضطهاد- من دخول الاتحاد الأوروبي، فلا بد أن تكون حججه متينة على الأقل. ذلك أن إغلاق الحدود في وجه المحتاجين استجابة متطرفة وتتناقض مع القيم المسيحية والأوروبية التي يدّعي معارضو الهجرة أنهم يدافعون عنها. ومع ذلك لم يتمكن أي زعيم سياسي مناهض للهجرة من تقديم أي دليل جدير بالثقة في دعم مثل هذه الاستجابة. من هم إذاً الذين يشكلون التهديد الحقيقي لطريقة الحياة الأوروبية؟

كبير الاقتصاديين في قسم البحوث في معهد

الحكم والتنمية الأفريقي