مآسٍ مروّعة لضحايا قتلتهم الحرب وحالت دون تكريم جثامينهم الموصل.. حتى المقابر عزّت على الموتى

الحدث الأحد ٢٦/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٣٤ ص
مآسٍ مروّعة لضحايا قتلتهم الحرب وحالت دون تكريم جثامينهم
الموصل.. حتى المقابر عزّت على الموتى

مسقط – محمد البيباني

في الأسابيع القليلة التي تلت نجاح القوات العراقية في طرد متطرفي تنظيم داعش من شرق الموصل، فتحت الأسواق أبوابها وبدأت الجرافات تزيل حطاماً خلّفته المعركة. إلا أنه في الوقت نفسه قال مدنيون فروا من الجزء المحاصر في المدينة إن مسلحي داعش يفتحون النار على الرجال والنساء والأطفال أثناء محاولتهم الهرب تحت جنح الظلام. وخاض آلاف في الطين وقد استبد بهم الإرهاق والجوع وهم يسيرون بجوار مبان مدمرة وأرصفة محطمة للوصول إلى نقطة تفتيش للجيش.

معاناة مستمرة لم تطال الأحياء فحسب بل أيضاً طالت من أزهقت أرواحهم بلا ذنب أو جريرة.
التساؤل الذي يفرض نفسه هو.. هل من الممكن أن يستوعب الضمير الإنساني فاجعة شعب فقد القدرة على دفن جثامين موتاه؟
سؤال لم يكن يتصوّر أحد أن يطرح ومأساة لم يشهدها خيال أكثر مؤلفي التراجيديا السوداء ولكنها للأسف هي واقع أهالي الموصل العراقية، لم تفقدهم الحرب العبثية الدائرة فلذات أكبادهم فقط بل أصبح تكريم جثامينهم ومواراتها الثرى أمراً صعب المنال.
منازل تحوّلت لمقابر وجثامين تعرّضت للانتهاكات بإعادة دفنها مرة أخرى حينما تسنح الفرصة ويتم نقلها من أفنية المنازل إلى مثواها الأخير لترقد في سلام.
«الشبيبة» تستعرض بعض نماذج من هذه الكارثة الإنسانية التي لم تشهدها مدينة من قبل..

أم تذرف الدموع

أم عبدالرحمن فقدت ولدها عبدالرحمن ذا الـ17 ربيعاً في هذه الحرب، إذ قُتل بقذيفة هاون في حي الزهور بعيد استعادة القوات العراقية الحي من قبضة داعش.
تقول أم عبدالرحمن وعيناها تذرفان الدمع بعد أكثر من شهرين على فقدانها لفلذة كبدها- حسبما ورد في موقع ساسة بوست الإلكتروني- إنها وزوجها اضطُرَا لدفن ولدهما في حديقة المنزل، وتضيف أيضاً أنه لم يكن باستطاعتهما دفن ولدهما في المقابر التي اعتاد الموصليون أن يدفنوا موتاهم فيها.
وأضافت أم عبدالرحمن أنه وبعد سيطرة القوات العراقية على كامل الجانب الأيسر، قام والد عبدالرحمن برفع جثمانه ودفنه في مقبرتهم الخاصة، وفي تلك اللحظة عادت الأحزان مرة أخرى وكأنه قُتل للتو.

صوت يختنق بالبكاء

«سعدون إلياس» (الثلاثيني)، حالة أخرى فارقت والدته الحياة، في نوفمبر الفائت، تحدث إلى «الأناضول» (عبر الهاتف)، وصوت بكائه يخنق كلامه، ليس لأنه فقد والدته فحسب، وكانت تصارع المرض لسنوات عدة وتتألم بسبب نقص الدواء؛ بل لأنه لم يتمكن من دفنها في المكان الذي أوصته بدفنها وهو مقبرة التلفزيون قرب زوجها ووالدها ووالدتها. وأوضح «إلياس» أنه ذهب بصحبة مجموعة من رجال منطقته، ومعهم جثمان والدته لإتمام مراسم الدفن، إلا أنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى المقبرة كون المواجهات المسلحة كانت قد بلغت ذروتها بين القوات الحكومية وتنظيم داعش.

دفن تحت القصف

عبدالقادر الملاح، رجل طاعن في السن من حي النور، يقول ولده الأكبر طه إن والده توفي إثر نوبة قلبية مفاجئة أثناء المعارك، وإنه وإخوته وبعد تردد وإكراماً لأبيهم اضطروا لدفنه في حديقة منزلهم الخلفية على عجل، خشية تعرّضهم لقصف جوي أو قذيفة هاون. يضيف طه أنه وبعد استتباب الأوضاع وتأمين مقبرة الجانب الأيسر «التلفزيون»، قام هو وذووه باستخراج جثمان والده وإعادة دفنه في مدفنهم الخاص، وأنهم باشروا الإجراءات القانونية لاستحصال شهادة وفاة لوالده.

رائحة الموت تفوح

فاجعة أخرى في حي الخضراء حيث يوجد قبر جماعي يضم رفاة 21 موصلياً دفنوا جنباً إلى جنب في فناء أرض فارغة بين المنازل، يقول عادل سمير قريب إحدى الضحايا حسب موقع «ساسة بوست»، وهو من سكان الحي إن طائرة حربية استهدفت سيارة مفخخة فانفجرت، ونتيجة للقصف هُدِمَت عدة عمارات سكنية، وسقطت على رؤوس أصحابها. ويضيف عادل أن السكان اضطروا للنزوح، وفور عودتهم إلى المنطقة بعد قرابة الشهرين اتصلوا بعدة جهات حكومية لانتشال الجثث من تحت الأنقاض، إذ إن رائحة الموت كانت تفوح في كل مكان، ولم تستطع فرق الإنقاذ والدفاع المدني انتشال سوى 21 شخصاً، أما البقية فلم يُعثر إلا على بقايا رفاة غير مكتملة لهم لشدة الانفجار.

مَن يستطيع الدفن «سعيد الحظ»

«سعيد الحظ مَن يستطيع دفن ذويه في حديقة المنزل» هذا ما قاله الحاج أبو عمر وهو يبكي حرقة.
اثنين من أفراد عائلته قُتلا نتيجة ضربة جوية استهدفت الجزء الخلفي من منزله الذي سوِّي بالأرض، فقُتل ابنه عمر وحفيده علي، ويضيف أنه ولعلمه باستحالة خروجه من المنزل نتيجة المعارك، قرر حفر قبر يضم رفات ولده وحفيده، لكن مشكلة أبي عمر أن ولده وحفيده ما زالا تحت الأنقاض، ولم يستطع انتشالهما على حد قوله، وكان منتظراً وصول قوات الأمن لمساعدته في ذلك.

أكثر من شهر لدفن الضحية

عندما سقطت أربعة صواريخ على بيت أبو عبدالملك في شرق الموصل في نوفمبر الفائت لقيت زوجة أبيه البالغة من العمر 60 عاماً حتفها على الفور. لكن دفن جثتها حسب الأصول المعمول بها استغرق أكثر من شهر. فقد كانت الاشتباكات في حي الزهور والمناطق المحيطة به شديدة للغاية خلال تلك الفترة، ولم تسمح بنقل الجثة إلى المقبرة الرئيسية في حي كوكجلي الذي يبعد خمسة كيلومترات.
لذا قام أبو عبدالملك ووالده وشقيقه وابنه وابن أخيه بحفر حفرة غير عميقة تحت شجرة برتقال في حديقتهم على بعد خطوات فحسب من المكان الذي لفظت فيه أنفاسها الأخيرة ثم واروها التراب.

تخلٍ عن الجثامين

عبيدة الهاشمي أحد الناجين أو الفارين من لهيب معارك الساحل الأيسر واستطاع الوصول إلى أحد المخيمات القريبة من الموصل تحدث لـ ARA News أن «عدد الذين دفنوا في البيوت تجاوز حتى يناير الفائت 40 شخصاً بين طفل وشاب وامرأة ومسن، إضافة إلى دفن بعض القتلى في حدائق المدارس، كما أبلغني شخص أنه دفن مع بناء حيهم ثماني جثث في باحة إحدى المدارس في حي المثنى».
أردف الهاشمي أنه «صادفنا الكثير من الجثث المرمية، فبعض العائلات تتخلى عن جثث قتلاها لخطورة احتمال إصاباتهم وكثافة نيران القناصة والقذائف العشوائية التي يرسلها ‹داعش› إلى تلك الأحياء».