لماذا استقالت ريم؟!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٤٢ ص
لماذا استقالت ريم؟!

جمال زويد

الانهزام والخذلان حالة عامة في بلداننا العربية والإسلامية حتى كادت أن تكون بصمة أو طابعا حصريا قلّ الحصول على مثيله في بقية أنحاء العالم. بسبب هذه الحالة تجرأ على دولنا وشعوبها كل من هبّ ودبّ حتى أصبحنا في مهبّ الريح بين أمم الأرض كلها.

في بلداننا لا تكاد ترصد مواقف حقيقية تعبّر عن العزّة والكرامة وتنتصر للحقّ وتصرخ ضد الظلم وتنتفض على الاحتلال وتفزع للقمع الذي تتعرض له الكثير من البلدان الإسلامية. والأسوأ أن هذه الحالة السيئة من الاستكانة والذّل تحوّلت عند الشعوب إلى خانة القبول بالأمر الواقع، لا لشيء سوى تراكم الإحباط واليأس وفقدان الأمل. ولذلك -غالباً- ما تنظر تلك الشعوب إلى أي موقف مغاير، خارج عن النص أو النمط المعهود والمعمول به، تنظر إليه بإجلال وتقدير باعتباره موقفاً مشرّفاً نَدُر حصوله أو القيام به من كثير من شخصياتنا السياسية والدبلوماسية التي يتسابق كثيرون منهم نحو نيل الأوسمة والمناصب في الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، ثم لا يكونوا فيها إلّا مجرّد أصفار في أصفار لم يقدّموا لأوطانهم وأمتهم أي إنجاز أو استفادة تُحسب لهم من وجودهم في هذه المناصب التي تبوأوها.

غير أن الدكتورة الأردنية ريم خلف الهنيدي الأمينة العامة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا» سجلت الأسبوع الفائت موقفاً جليلاً يستحق أن يُكتب بماء الذهب، انتصرت فيه للحق ورفعت به الرؤوس حينما قدّمت استقالتها من هذا المنصب الأممي الرفيع تمسكاً بمبادئها وإصراراً على عدم الحياد عنها كما يفعل غيرها ممن يبيعون ويشترون في قضايا الأمة وحقوق شعوبها. الدكتورة ريم خلف من مواليد 1953 الحاصلة -بحسب موسوعة ويكيبيديا- على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت كما حصلت على الماجستير والدكتوراه في علم الأنظمة من جامعة بورتلند الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية. وشغلت عدداً من المناصب الرفيعة في بلادها الأردن، فقد تولت منصب وزيرة الصناعة والتجارة (1993-1995) ووزيرة التخطيط (1995-1998) ونائبة رئيس الوزراء (1999-2000). قبل أن تنتقل للعمل في أروقة الأمم المتحدة وتتدرّج في مناصبها لتصل في العام 2010 لتكون الأمينة العامة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، وهي إحدى اللجان الإقليمية الخمس الرئيسية لهذه المنظمة الدولية. تقول قصة استقالتها أن هذه اللجنة (إسكوا) التي تتبوأ الدكتورة ريم أعلى منصب فيها قد أصدرت مؤخراً تقريراً عن «الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري (الأبارتايد)» توصلت فيه إلى أنه ثبت بالأدلّة القطعية أن إسرائيل مذنبة بتطبيق سياسات وممارسات تمثل جريمة فصل عنصري، وأن سياستها تقوم على تفتيت الشعب الفلسطيني سياسيا وجغرافيا، وعلى قمع الفلسطينيين حيثما وجدوا.
تقرير لجنة (الإسكوا) أوصى بإعادة إحياء لجنة الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري اللذين توقف عملهما عام 1994 عندما اعتقد العالم أنه تخلص من الفصل العنصري بسقوط نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا. بل دعا معد التقرير ريتشارد فولك إلى إعلان حالة طوارئ لمتابعة شؤون الفلسطينيين الذين يعانون يوميا من الفصل العنصري.
وبمجرّد صدور هذا التقرير المهم والموثق انهالت الاحتجاجات الصهيونية والأمريكية، إذ طالبت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي بسحب التقرير. وشبّه متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية التقرير بـ«منشور دعائي نازي معاد بشدة للسامية» وتم ممارسة ضغوط كبيرة على أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة الذي انتهى به الأمر للطلب من الدكتورة الأردنية ريم خلف الهنيدي الأمينة العامة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا» سحب تقرير لجنتها، لكنها رفضت الاستجابة لهذا الطلب، وآثرت أن تخرج من منصبها على أن تحيد عن مبادئها وإنسانيتها، وكتبت رسالة استقالتها التي تناقلها عشرات -وربما- مئات الآلاف من مختلف أنحاء العالم بكل فخر واعتزاز.
ومما جاء في خطاب استقالتها: «إن الأدلة التي يقدمها التقرير قاطعة، وتكفيني هنا الإشارة إلى أن أياً ممن هاجموا التقرير لم يمسوا محتواه بكلمة واحدة. وإني أرى واجبي أن أسلط الضوء على الحقيقة لا أن أتستر عليها وأكتم الشهادة والدليل»، وأضافت: «إن موقفي هذا قد يكون نتيجة لعمر كامل قضيته هنا، في هذه المنطقة، شاهدة على العواقب الوخيمة لكبت الناس ومنعهم من التعبير عن مظالمهم بالوسائل السلمية» واختتمتها: «أنا لا أستطيع أن أسحب، مرة أخرى، تقريراً للأمم المتحدة، ممتازَ البحثِ والتوثيقِ، عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، غير أنني أدرك أيضاً أن التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بد من أن تنفذ. ولذلك، فإن هذه العقدة لا تحل إلا أن أتنحى جانباً وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به».

كاتب بحريني