«قمة العرب».. الإصلاح من أعلى

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٤٢ ص
«قمة العرب».. الإصلاح من أعلى

علي ناجي الرعوي
حين تتكاثر الجروح الغائرة وتتعاظم الخطوب المتوالية وتتعدد الجبهات المفتوحة بتدخلاتها الحرجة في وقت واحد يغدو طبيعيا أن تتحول القمة العربية الثامنة والعشرين التي ستعقد نهاية الشهر الجاري في منطقة (البحر الميت) بالمملكة الأردنية إلى (قمة طارئة) وليس اعتيادية توكل إليها مهمة المراجعة المسؤولة والتقويم النقدي الجريء لتجربة العمل العربي المشترك والإخفاقات التي لازمتها على مدى 72 عاما من إنشاء الجامعة العربية، وبالذات وأن مطلبا كهذا لم يعد ترفا وإنما مسألة حيوية في ظل الواقع العربي الراهن الذي يبدو اليوم في أسوأ حالته وأشدها بؤسا وضعفا وانكسارا، فمن ينظر إلى عالمنا العربي هذه الأيام ويحلل أحداثه سيجد تناغما غير معقول في صورته التي تظهر أشبه ما يكون بلوحة فسيفساء تقف على ساحة الموت وبين جنبات الدماء والدمار أو أن تلك الفسيفساء تنتحر ببطء إما على خلفية صراع يجري على أرضية تقليدية قبلية وجهوية ودينية أو عبر حالة من حالات الحرب الأهلية التي تجري بالوكالة عن أطراف إقليمية أو دولية تتنازع وتتنافس على المصالح في المنطقة.

ويقينا فما لم يتم الاعتراف والإدراك عربيا في القمة المقبلة أن مثل هذه المراجعة باتت مصيرية لإعادة إحياء النظام العربي الذي انهار بصيغته الفائتة وافتقد لمبررات وجوده وأصبح مجرد ميراث هلامي وعبء ثقيل على أية صيغة للعمل العربي المشترك، فإن هذه القمة لن تفضي إلى أي نتائج ملموسة ولن تكون سوى محطة أخرى من محطات الفشل العربي الذريع وفي هذه الحالة فلا جدوى لانعقاد هذه القمة التي شاءت الصدفة أن تلتئم في أخفض بقعة على وجه الأرض منطقة (البحر الميت)، كما لا جدوى من هذه الدلالة المكانية إذا ما كان الهدف منها هو خفض توقعاتنا المنخفضة أصلا بدلا عن تذكيرنا بحال الأمة العربية وهي من تقف اليوم في أدنى منحدر من القاع الحضاري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وأن ما تحتاجه لتجاوز هذا المنحدر هو الإقرار الجمعي بأن العرب قد أخفقوا في بناء نظام فعال وقادر على حماية أمنهم القومي وصيانة حقوقهم الطبيعية وأن ما كانوا يصفونه بـ (النظام العربي) قد برهن عن عجزه وهشاشته، والتسليم بهذه الحقيقة مهما كانت قاسية وبما يدفع بالجميع إلى التحرك في اتجاه التوافق على مشروع عربي جديد مقطوع الصلة بإرث النظام المنهار قبل أن يجد العرب أنفسهم خارج السياق التاريخي وخارج هذا العصر.

العرب ينتظرون فعلا من قمة (البحر الميت) مواقف تساعدهم على الإجابة عن أسئلة من قبيل: أين العرب؟ وكيف يمكن أن يتجاوزوا المأزق الذي وقعوا فيه؟ وأين سينتهي بهم المطاف في ظل الحروب والأزمات المتفاقمة التي تدور رحاها في سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال والعواصف السياسية والأمنية والاقتصادية المشتعلة على امتداد الجغرافيا العربية؟ ولن تتأتى الإجابة على مثل هذه التساؤلات دون أن يتطهر النظام العربي الرسمي من المنطق الميكافيلي الانتهازي الذي ظل يبرر به حالة العجز التي أحاقت بدوره خلال العقود الفائتة بما جعله غير قادر على التعبير عن تطلعات شعوبه وآماله في التطور والنهوض وارتياد مكانته المستحقة على خريطة العالم في القرن الـ21، كما أنه من غير الجائز والمعقول أيضا أن تستمر تلك الميكافيلية تسيطر على أداء النظام العربي الرسمي فيما يرى الجميع أن المسرح يحترق وتتساقط أركانه وأعمدته، والممثلون منهمكون في أدوارهم غير مبالين بالحريق حولهم، والنظارة يتابعون المشهد باستغراب وسخرية ورعب وخوف وهم يجدون الحريق صار قريبا من مقاعدهم.
لعلنا لا نبالغ البتة بالقول إن العرب ينقسمون بين رؤيتين متصارعتين حول ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والعراق وأنهم الذين يعيدون إنتاج صيغة الصراع الذي شهده النظام العربي في سنوات فائتة، حينما انقسم العرب بين جبهة الصمود وجبهة التصدي، وهذا الأمر يعكس تماما أن العرب لم يستفيدوا من أخطائهم وأن مسألة المراجعة والتقويم النقدي للذات هي لفظة مشطوبة من قواميسهم، فيما الزمن لا وزن له عندهم، ولذلك فتناقضاتهم تغدو صراعات وصراعاتهم تفرخ حروبا تتدخل فيها قوى إقليمية ودولية تقوم بتوسيع نطاق تلك الحروب بما يسمح لها باستنزاف المقدرات العربية ونشر الفوضى والانفجارات العنيفة في قلب النظام العربي على مرأى ومسمع من الجامعة العربية التي تكتفي بدور المتفرج الذي لا يحرك ساكنا رغم أن بوسعها لملمة ذلك الوضع على قاعدة التنازلات المتبادلة كما يحدث في الاتحاد الأوروبي، لكن ولأن هذه المؤسسة لا تحتكم إلى ثوابت محددة ولا رؤية تأخذ بعين الاعتبار أولويات المصالح العربية فقد بقيت مرتهنة لسياسة براغماتية تتحكم بها عوامل الاستقطاب والتحالفات القطرية والتي تبرز كإحدى أوجه التناقض في النظام العربي.
عبثا نتحدث عن إصلاح النظام العربي ونحن لا ندري ما الله فاعل بنا في الغد أو بعد غد ويكون من الهزل أن تخلو أجندات القمة العربية المقبلة في الأردن من هذا الموضوع شديد الأهمية خصوصا إذا ما علمنا أن النظام العربي عموما يواجه الآن تحديات كبيرة وتهديدات خطيرة على كيانه ووجوده ناهيك عن أن هناك تحولات مهمة توحي أن المنطقة يعاد رسم خرائطها من جديد وأنها بصدد الدخول فيما يمكن أن نسميه سايكس بيكو جديدة، وبالتالي فإنه ما لم تقف هذه القمة بصورة جادة أمام هذه الاهتزازات وحالة الفراغ الكبير الذي يخيم على الساحة العربية والظروف الاستثنائية والكارثية التي تعصف بساحات عربية عدة، وتعمل على الإسراع في تحقيق المصالحة العربية الشاملة التي تمهد لقيام نظام عربي جديد يكون في مستوى التحديات التي تواجه الأمة، فإن أخطر ما قد يحدث هو أن تشهد المنطقة العربية ارتجاجات لا تقتصر على مكان بعينه تنزلق على إثرها نحو فوضى عاصفة يكون فيها التقسيم المذهبي والطائفي والجهوي هو الخيار الذي ترتطم به رؤوسنا لنصحو على ذلك الوجع بعد فوات الأوان.

كاتب يمني