هل ينجح ترامب في ما فشل فيه أسلافه؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
هل ينجح ترامب في ما فشل فيه أسلافه؟

غازي السعدي
لا نعرف إذا كان المخطط الإسرائيلي الاستيطاني، الهادف إلى ضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها لإسرائيل، والتوجه لإضعاف وتهميش السلطة الفلسطينية ورئيسها «أبو مازن»، بمحاولات إيجاد بديل من جماعات فلسطينية متذمرة من السلطة، على شاكلة المحاولة الفاشلة التي حاول فيها الاحتلال، في سنوات الثمانينيات إقامة روابط القرى، أم أن هذا المخطط سيسقط كما سقط سابقه، في أعقاب الموقف الأمريكي الجديد، والاتصال الهاتفي من قبل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، مع الرئيس الفلسطيني «أبو مازن»، ودعوته إلى البيت الأبيض، ووضع الرئيس الأمريكي حل القضية الفلسطينية في سلم أولوياته، ووصول مبعوثه الخاص «جيسون غرينبلت» إلى المنطقة، لإجراء محادثات بالشأن الفلسطيني مع كل من «نتنياهو» والرئيس الفلسطيني «أبو مازن» كل على حدة، وتفيد المعلومات المتسربة، أن «ترامب» قد يدعو لعقد مؤتمر إقليمي، أو ثلاثي للسلام، في حال تراجع الحكومة الإسرائيلية عن أحلامها الاستيطانية، وأن الوضع الجديد ينسف الادعاء الإسرائيلي أن «محمود عباس» ليس شريكاً للسلام، بعد التأكيد الأمريكي على شراكته، فيما الجانب الإسرائيلي، الرافض للسلام، هو غير الشريك.

السياسة الجديدة التي يتبعها وزير الجيش «أفيجدور ليبرمان» -بصفته المسؤول العسكري للضفة الغربية المحتلة- تقوم على أساس تقليص التعامل مع السلطة الفلسطينية إلى أقصى حد ممكن، والتعامل بدلاً منها مع الجمهور الفلسطيني مباشرة، فهذا الوزير قد يغير رأيه في موضوع شراكة «عباس» في أعقاب الموقف الأمريكي من «عباس»، والحقيقة أن لا «نتنياهو»، ولا «ليبرمان»، ولا حتى الحكومة الإسرائيلية، يريدون السلام، فالإدارة المدنية العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة -وفقاً لتعليمات «ليبرمان»- فتحت مؤخراً خطوط اتصال مباشر مع الجمهور الفلسطيني، الذي يحتاج إلى خدمات الاحتلال وذلك لاعتبارين الأول: إضعاف السلطة الفلسطينية وتهميشها بنظر المواطنين، أما الثاني: خطوة استباقية في حال أقدمت السلطة على حل نفسها، أو وجود مخطط إسرائيلي للتخلص منها، وانسجاما مع هذا المخطط فقد أطلق مسؤول الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي الجنرال «يؤاف مردخاي» صفحة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لمخاطبة الفلسطينيين بصورة مباشرة، كما أعلن على الموقع التسهيلات المزعومة التي يمنحها الاحتلال للفلسطينيين، والهدف منها إلغاء دور السلطة الفلسطينية، فالاحتلال قلص كثيراً من صلاحيات السلطة الفلسطينية، وحصرها بالتنسيق الأمني الذي هي بحاجة إليه، وهو مصلحة إسرائيلية، و»ليبرمان» لم يخف أنه يبحث عن بديل للسلطة الفلسطينية، وأن من بين ما يجري تسريبه لإغراء الفلسطينيين: إنشاء منصة للفلسطينيين في ميناء حيفا، لاستيراد المواد التجارية بشكل سريع، ونقل البضائع إلى ميناء بري في مدينة جنين، وإقامة مناطق صناعية مشتركة على طول الخط الأخضر بدعم مالي دولي، وإنشاء بنية أساسية للمواصلات، وتقليص الشوارع المشتركة من خلال إنشاء شبكة شوارع جديدة تشمل الأنفاق والجسور، ومنطقة سياحية حرة للفلسطينيين، ومع أن التجارب الفائتة لم تكتسب الثقة بوعود الاحتلال، فهم اكتووا من هذه البالونات الاختبارية، وهم لا يريدون كل هذه الإغراءات، وكل ما يريدونه إنهاء الاحتلال.

إن «ليبرمان» المتردد والذي يناقض نفسه بنفسه، قال في مقابلة إذاعية «4-1-2017»، إنه يعارض ضم الضفة الغربية لإسرائيل، لأنها لن تكون في صالحها، غير أنه يكرر طرحه للسلام بطرد جماعي لفلسطينيي الداخل، فهو يدعو إلى تبادل سكاني، ونقل التجمعات الفلسطينية في مدن وقرى وادي عارة، إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، للتخلص من الكثافة الفلسطينية داخل إسرائيل، وهذا الطرح يلقى معارضة قوية من قبل عرب الداخل، الذين يريدون البقاء شوكة في قلب اليمين العنصري في إسرائيل.
مع تزايد البناء الاستيطاني، ونهب المزيد من الأراضي الفلسطينية، صدر تقرير شديد اللهجة من ممثل حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأمير «زيد بن رعد»، اتهم فيه إسرائيل بضم أراض في الضفة الغربية لإسرائيل بصورة مقلقة، ويتطرق التقرير إلى توسيع المستوطنات، والجهود الرامية -من قبل إسرائيل- لتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى زيادة متواصلة في أعداد المستوطنين، وهذه الإجراءات تتعارض مع القانون الدولي.
وزير المواصلات والمسؤول عن ملف المخابرات «إسرائيل كاتس»- والمرشح الأقوى لخلافة «نتنياهو» في الحكومة ورئاسة حزب الليكود- أعلن برنامجه المتطرف وغير الواقعي، حيث إن الوصول إلى هرم الحكم بحاجة لأن يكون أكثر تطرفاً، فأعلن في مقابلة إذاعية «5-3-2017»، أن برنامجه: الأمن الإقليمي، السلام الاقتصادي، وسلام سياسي مع دول الخليج، متجاهلاً المشكلة الفلسطينية كلياً، وكما هو الحال في إسرائيل، فإن البرامج الإسرائيلية للحل كثيرة، لكنها مرفوضة، فالوزير «نفتالي بينت» رئيس حزب البيت اليهودي، كشف النقاب عن خطته لمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً منزوع السلاح، على 40% من مساحة الضفة الغربية، وضم البقية للسيادة الإسرائيلية، ليدير الفلسطينيون حياتهم بأيديهم في أقل من دولة، مع حرية كاملة دون حواجز إسرائيلية، تشمل استثمارات اقتصادية «هائلة» في البنى الأساسية، بما في ذلك ميناء بري، معتبراً أن الوضع في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، هو بمثابة دولة فلسطينية، وأنه لا يريد دولة فلسطينية ثانية غير تلك القائمة في غزة، فالتنافس بين الإسرائيليين على المكاسب الحزبية والوزارية تجري على حساب الفلسطينيين.
والسؤال الأهم، هل ينجح الرئيس «ترامب» بتحقيق ما فشل به رؤساء أمريكيون سابقون، بثني إسرائيل عن مشروعها الاستيطاني الزاحف، ولي ذراع إسرائيل وإلزامها بالتسوية على أساس حل الدولتين؟ فمبعوث الرئيس الأمريكي «جيسون جرينبلت» الذي وصل لإسرائيل، واجتمع مع «نتنياهو» لمدة خمس ساعات «13-3-2017»، لم يحقق اختراقاً في القضايا المطروحة، والخلافات مع المبعوث الأمريكي ما زالت كبيرة، خاصة في موضوع الاستيطان، حتى أن الوزير الليكودي «أفير أكونس» قال: «الولايات المتحدة لن تفرض التسوية، ولم ترد في بيان البيت الأبيض الكلمتان الكريهتان عن حل الدولتين، وأقول لن يحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة في الضفة الغربية، التي هي وطن الشعب اليهودي، وأن إسرائيل ستطرح حكماً ذاتياً عليهم، أو اتحادا فيدراليا أو كونفدراليا أو أي اقتراح آخر، بعيداً عن حل الدولتين».

إن مكالمة «ترامب» الهاتفية مع «أبو مازن»، تسببت بالتوتر في إسرائيل، وبحسب جريدة «هآرتس 14-3-2017»، فإن الرئيس الأمريكي يتطلع لاتفاقية سلام شاملة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهو يؤمن بأنه ممكن، وآن الأوان للتوصل إلى صفقة مثلما أعلن البيت الأبيض في نهاية المحادثة الهاتفية مع «أبو مازن»، وهذه الأقوال أصبحت كابوساً لليمين الإسرائيلي، ومشكلة كبيرة للمستوطنين وأنصارهم، وأن قول ترامب أنه يعتزم التوصل إلى اتفاق لأصعب المشاكل، أشعل الضوء الأحمر لدى اليمين الإسرائيلي. وأخيراً.. فإن بمقدور اليمين الإسرائيلي أن يحلم بضم الضفة الغربية لإسرائيل، بيد أن هناك طريقا واحدا فقط لصنع السلام، هو حل الدولتين في إطار مبادرة السلام العربية.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية