التكيف الخليجي مع انخفاض سعر النفط

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٢٩ ص
التكيف الخليجي مع انخفاض سعر النفط

فريد حسن

في دراسة للباحث الإماراتي د. جمال سند السويدي رئيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عنوانها «نظرة مستقبلية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية» تناول فيها جملة من التحديات الخارجية والداخلية وانعكاساتها المستقبلية طرح سؤالا مهما عن مدى تمكن دول مجلس التعاون من الحفاظ على المستوى المعيشي للمواطن الخليجي واعتبره واحداً من أهم التحديات الداخلية في هذه المرحلة، فقال «إن الموضوعية والواقعية تفرض علينا مواجهة هذا التحدي بشقيه، الأول هو الحفاظ على مستوى الرفاهية الاجتماعية التي وصل إليها المواطن في بعض دول الخليج العربية، والثاني هو ضمان عدالة توزيع الدخل بين مواطني دول مجلس التعاون»، ولفت إلى أن «التحدي ودرجة تأثيره وشدته يأتي من اعتماد دول الخليج العربية على مصدر أحادي المورد ومعاناتها من حساسية اقتصاداتها ومشاريعها التنموية لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمية».

ورغم أن الباحث نوه بأهمية قيام بعض دول المجلس «بإحداث تغييرات في هياكل اقتصاداتها وتوسعها في استثمار فوائض النفط في مجالات متعددة تدعم سياساتها وأهدافها الرامية إلى تنويع مصادر الدخل»، إلا أنه أكد أن اقتصادات دول التعاون كافة «ما زالت تعتمد على إيرادات النفط بنسبة وصلت إلى 79%» معتبراً ذلك إنجازاً ضعيفاً وداعياً إلى «عمل الكثير في هذا المجال لمواجهة تحدي الحفاظ على المستوى المعيشي للمواطن الخليجي» ومنبهاً إلى أن بعض الدول الخليجية «اضطرت إلى وقف أو تأجيل تنفيذ بعض مشروعاتها الحيوية نظرا لتقلب أسعار النفط».

نحن إذن أمام سؤال مهم لأن التغير في المستوى المعيشي للمواطن الخليجي له تداعيات كثيرة وخطيرة، لذا لا بد من إعطاء هذه المسألة الكثير من الأهمية ومناقشتها بتوسع وبشفافية حيث التغير في المستوى المعيشي يتبعه بالضرورة تغير في مستوى الإنتاج والعطاء ويصل حتى إلى حد تأثر العلاقة بين المواطن والدولة، فعندما تعيش لسنوات قوامها أربعة عقود في مستوى معيشي معين يسهل إطلاق اسم الرفاهية عليه ثم تصير خارجها وتكون علاقتك بها محصورة في التذكر والتحسر، فالأكيد أن عطاءك يتغير وتتأثر بالضرورة علاقتك بالدولة التي وإن أعطتك الكثير في تلك السنوات إلا أنها لم تتمكن من الاستمرار في ذلك العطاء وفي المحافظة على المستوى الذي أوصلتك إليه (لعل المثال المعين بسهولة على فهم هذه الصورة هو اضطرار المواطن المرفه الذي يدرس أطفاله في مدارس خاصة إلى نقلهم إلى مدارس حكومية، حيث الجميع يدرك الفارق بين هذه المدارس وتلك، وهو ما يمكن تلمسه في جوانب كثيرة).
واقع الحال يؤكد أن بعض وليس كل شعوب دول مجلس التعاون عاشت في مستوى الرفاهية موضوع الحديث، أو للدقة بعضها عاش في مستوى من الرفاهية أكبر من مستوى الآخرين، لهذا فإن من الطبيعي أن يكون بعض الذين عاشوا الرفاهية في مستواها الأكبر هم الأكثر تضرراً وتأثراً بتغير سعر برميل النفط وتغير مستوى المعيشة وهو أكثر من سيعاني من صعوبة التكيف مع الحياة الجديدة.
شخصيا اعتقد أن الشعب الخليجي الوحيد الذي سيسهل عليه التكيف مع هذا الواقع الجديد هو الشعب العُماني، ليس لأنه لم يعش حالة الرفاهية بالكيفية التي عاشتها بعض شعوب التعاون الأخرى فقط ولكن لأن العماني بطبيعته مهيأ للتكيف مع كل المستويات التي تقل عن مستوى الرفاهية، وسيكون الأقل تأثرا بما يجري لسعر برميل النفط حتى مع الصعوبات التي بدأت تبرز ويلمسها وتوفر عليها المثال في ارتفاع أسعار البنزين وبعض المواد الاستهلاكية.
صفتا القناعة والصبر اللتان يتميز بهما العماني ستعينانه على التكيف مع المرحلة الجديدة وسيوفر بهما المثال على أنه الأقل تضررا بها، فالعماني ظل يعتبر مرحلة الرفاهية -رغم أنها في السلطنة كانت أقل من تلك التي توفرت في بعض دول المجلس- مرحلة مؤقتة وربما طارئة ولم يسمح لها بالتمكن منه والسيطرة عليه واهتم بدلا عن ذلك بالعمل على تأكيد ثوابت المجتمع العماني والحفاظ عليها، لهذا فإن الأكيد هو أنه لن يجد صعوبة في التكيف مع العودة حتى إلى ما كان عليه في السنوات التي سبقت سنوات النهضة المباركة.
هذا لا يعني أبدا أن حكومات التعاون ستسلم لهذا الواقع الجديد بسهولة حيث الأكيد أنها ستبذل الكثير من الجهود التي تؤدي إلى الحفاظ على المستوى المعيشي الذي وفرته للمواطن الخليجي طوال السنوات الفائتة.

• كاتب بحريني