لماذا لا يُفصل بين المستشفيات الخاصة وصيدلياتها؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
لماذا لا يُفصل بين
المستشفيات الخاصة وصيدلياتها؟

علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com

في الوقت الذي نشجع فيه استثمار القطاع الخاص في القطاع الصحي بغية النهوض به إلى المستويات اللائقة والمشرفة، إلا أن هناك بعض الممارسات التي لا تعزز الثقة في هذا الجانب المهم، يحدث ذلك عندما يتم الخلط والمزج ما بين الصحة بكل جلالة قدرها وما بين التجارة، وهو واقع يفرض على القائمين على هذا القطاع النأي بعيدا عن المحاولات غير الإيجابية التي تخدش حياء هذا الاستثمار بالذات وهو المرتبط بأغلى رأس مال لدينا وهو الإنسان وصحته، ولعل من الأخطاء الفادحة وخيمة العواقب، وجود مستشفيات وصيدليات لنفس الشركة أو المستشفى ما يجعل المريض بمثابة سلعة في سعيه للعلاج، ومن ثم الحصول على الدواء وكلاهما يعد كارثة بحق هذا الكائن الذي لا يقدر بثمن، هذا إن تعاملنا معه في إطار المعنى التجاري المحض وهو الربح والخسارة، وهي كارثة أخلاقية يفترض إيقافها بأقصى درجات السرعة من أجل الوصول للهدف الأسمى وهو ضمان الحيادية والنزاهة في هذا الحقل الأخطر على الإطلاق.

إن تنظيم القطاع الخاص يحتاج إلى جهود كبيرة وعمل جبار ودؤوب لتصحيح المسار أو المسارات التي لا تخدم الاستثمار في هذا القطاع والتي يمكننا تسميتها بتضارب المصالح على حساب المرضى التواقين لاعتمار تاج الصحة الغالي بأي ثمن كان، وبذلك يتم استغلال هذه الهواجس المشروعة على نحو سالب إنسانيا وأخلاقيا.

وإذا لم يكن الوازع الأخلاقي حاضرا لدى بعض المستثمرين عندها فإنهم لا يتوانون عن إيجاد مستشفيات وصيدليات هدفها الأول والأساس هو الانقضاض على المريض بغير رحمة وتدميره صحيا وماديا ومعنويا من خلال تعليمات لا يملك قدرة الاعتراض عليها وهي صرف وصفات أدوية بكميات هائلة، لا لحاجة المريض إليها بل لتسويق الأدوية تارة، أو صرف أدوية رخيصة الثمن عديمة الجدوى تارة أخرى، وغيرها من الممارسات التي من الممكن أن تقضي على المريض قضاء مبرما.
نجد اليوم الكثير من المستشفيات والمراكز الصحية ملحق بها صيدلية من قبل صاحبها أو المستثمر فيها لتكون بمثابة جزء لا يتجزأ من المركز الصحي، ويكون هناك تفاهم مسبق تحت الطاولات ما بين الطبيب المعالج والصيدلاني أو الصيدلية تنص على إعطاء وصرف وصفات طبية متعددة تفوق ما يحتاجه المريض فعلا ليغدو بعدها تاج الصحة المنشود بعيد المنال حقا، وهو ما يمكن وصفه بالفساد الصحي إذا جاز لنا التعبير، الأمر الذي يتطلب من وزارة الصحة وغيرها من الجهات ذات الصلة أن لا توافق على منح هكذا تراخيص‏ مهلكة يذهب ضحيتها الأبرياء.
إن فصل الصيدليات عن المستشفيات أو المراكز الصحية في القطاع الخاص ينبغي أن يتم على صيغة عدم منح ترخيص لمركز صحي وصيدلية لمستثمر واحد على الإطلاق، ففي هذا الإجراء ضمانة ما في تحقيق النزاهة والحيادية والشفافية، وتكريس لأخلاقيات المهنة التي تتطلب من الجميع الترفع عن وساوس النهم التجاري المفضي في إطار ظن السوء لتحقيق ثراء فاحش في أقصر فترة زمنية ممكنة وذلك كله على أنقاض وجماجم ورفات الضحايا.
إن ‏وزارة الصحة معنية بتنظيم هذا القطاع وتنقيته من تلكم الشوائب القاتلة بحيث يكون ذا قيمة مضافة عالية وليس عبئا فادحا على البلاد والعباد عبر هذه الممارسات، وإذا قلنا إجمالا وبمزيد من الأسف بأنه ليس لدينا مستشفيات خاصة بالمعنى الحقيقي لهذا الوصف، فذلك لا نحسبه تجنيا على هذا القطاع إجمالا ولكنه تصوير لواقع عبر عدسة محايدة.
وبما أن لكل قاعدة شواذا فهناك مستشفيات خاصة يشار إليها بالبنان صدقا، لم تلحق بها صيدليات تابعة لأصحابها، بمعنى أنها وتأكيدا لنزاهتها تتيح المجال لآخرين لإلحاق صيدلياتهم بها، عكس السواد الأعظم في هذا المجال.
بالطبع، فإن المرضى غير ملزمين بالشراء من الصيدليات الملحقة بذات المستشفيات، لكن عندما يتجرد الطبيب من أخلاقياته ويزكي أو يوصي بالصيدلية الموجودة في العيادة أو المستشفى، فمعنى ذلك أن هناك ممارسة غير إيجابية، ليس كل المرضى على دراية بها، وبذلك تنطلي الحيلة على هؤلاء الأبرياء العاثرة حظوظهم.