توظيف مدخرات آسيا في آسيا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
توظيف مدخرات آسيا في آسيا

أندرو شنج

على مدار أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، شهدت آسيا نمواً اقتصادياً أسرع من أي منطقة أخرى. ومع تطورها، كانت آسيا تُصَدِّر مدخراتها، من خلال الفائض التجاري مع الولايات المتحدة، ثم تعيد استيرادها في هيئة استثمارات مباشرة ومحافظ استثمارية عبر نيويورك ولندن ــ وهي العملية التي أوجدت توترات مالية شديدة، ولكنها كانت موضع تجاهل إلى حد كبير.

في نهاية العام 2015، كان مجموع صافي موقف الأصول لدى الصين وهونج كونج واليابان وكوريا وسنغافورة وتايوان نحو 7.3 تريليون دولار أمريكي ــ وهو ما يكاد يعادل بالضبط صافي ديون الاستثمار الدولية المستحقة على الولايات المتحدة. ومن غير المرجح أن يختفي هذا الاختلال في التوازن في أي وقت قريب. الواقع أن صافي ديون الولايات المتحدة ارتفع مؤخرا ــ إلى 7.8 تريليون دولار في نهاية سبتمبر 2016 ــ وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى استمرار عجز الحساب الجاري والتأثيرات المترتبة على سعر الصرف الأقوى.

ولكن لماذا لا تستثمر الدول الآسيوية مدخراتها داخل منطقتها؟ من بين الأسباب الواضحة أن الولايات المتحدة تهيمن على التمويل العالمي، وخاصة في أسواق رأس المال والعملة. وفي دراسة أجريت في العام 2005، زعم بيير أوليفييه جورينشاس وهيلين راي أن الولايات المتحدة، التي كانت ذات يوم تلعب دور مصرفي العالم، أصبحت تلعب دور رأسمالي المشروعات العالمي الذي يستثمر على المستوى الدولي، وخاصة في آسيا، بدلا من الاكتفاء بالاقتراض والإقراض.
ولكن هذا لا يعني أن الدول الآسيوية أفضل حالا بالاستثمار في الغرب ــ وخاصة بسبب تجارة الحمل (تجارة فرق المعدلات) التي ترسخت بعد الأزمة المالية في العام 2008. وكما زعم هيون شين وغيره من خبراء الاقتصاد في بنك التسويات الدولية، كانت أسعار الفائدة المنخفضة في الدول المتقدمة وضَعف الدولار من الأسباب التي دفعت الأسواق المالية، بقيادة المركزين الرئيسيين في نيويورك ولندن، لاقتراض المال بالعملات ذات أسعار الفائدة المنخفضة والاستثمار في العملات ذات أسعار الفائدة الأعلى.وقد خلفت هذه اللعبة المالية تأثيرا بعيد المدى. ففي حين كان الرأي التقليدي يشير إلى أن اختلالات التوازن التجارية تدفع أسعار الصرف وتدفقات رأس المال، تنبئنا المحاسبة المالية في اليابان على سبيل المثال بقصة مختلفة.
المشكلة هي أنه بعد مرور عشرين عاما منذ اندلاع الأزمة المالية الآسيوية، لم يتحقق تقدم يُذكَر في ما يتصل بإضفاء الطابع المؤسسي على الوساطات المالية الآسيوية التي من شأنها توجيه المدخرات إلى المشاريع ذات العوائد الأعلى داخل المنطقة. ففي الهند على سبيل المثال، سنجد أن البنوك الاستثمارية العشرة الأكبر العاملة هناك تنتمي إلى الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تسجل المؤسسات الاستثمارية المحلية نموا سريعا، وتظل القدرة محدودة على توجيه الأموال إلى القطاع الحقيقي حيث العوائد المرتفعة.
والآن وقد بدأت البنوك الأمريكية والأوروبية ــ مدفوعة بضوابط رأس المال والقيود التنظيمية، فضلا عن احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وارتفاع قيمة الدولار ــ في الانتقال بعيدا عن آسيا، أصبحت الضغوط الرامية لمعالجة الموقف أقوى من أي وقت مضى. ولكن بدلا من دعم قدرة المؤسسات المالية الآسيوية على تولي وساطة المدخرات في المنطقة، تركز الهيئات التنظيمية المالية الآسيوية على تبني المعايير التنظيمية المالية العالمية الجديدة التي تدفع بها الهيئات التنظيمية الأمريكية والأوروبية ــ وهي المعايير التي يهدد الساسة الأميركيون والأوروبيون الآن بحلها.
وتتعاظم حتمية تغيير هذا النهج بفِعل عقيدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «أمريكا أولا»، التي يكاد يكون من المؤكد أنها ستترجم إلى سياسات الحماية. وسوف تدفع مثل هذه السياسات الاستثمار الآسيوي إلى المزيد من التورط في فخ الدولار، لأن المدخرات الآسيوية سوف تُستَخدَم لمطاردة أصول المضاربة المقومة بالدولار خارج المنطقة، بدلا من تلبية احتياجات آسيا ذاتها.
ربما تبدو خطة ترامب التي تقضي بوضع أمريكا أولا واضحة ومباشرة. ولكنها تفشل في إدراك حقيقة مفادها أن الخسارة ستعم على الجميع إذا تعثرت الاقتصادات الناشئة. ومع عزوف ترامب كما يبدو عن إعادة النظر في هذا النهج، فلابد أن تستعد أسيا وشركاؤها الدوليون ــ والاقتصاد العالمي بأسره ــ لما هو آت.

أندرو شنج زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج