من أجندة السفر

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٩/مارس/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby

يخشى المسافر، عادة، المفاجآت غير السعيدة، مع أنها هي التي تبقى في ذاكرته، حكاية تطل كلما وجدت الذاكرة إلى استعادتها سبيلا، لا يكفي أن يقول السامرون إن المكان الفلاني جميل، قدر ما تأتي الحكايات مشوّقة، عن المواقف الصعبة والطريفة، حتى يمكن أن يكتب المرء كتابا يمكن تسميته «سوالف مسافر».. هكذا العنوان جاهز، وعلى الإخوة المسافرين عدم الالتزام بحقوق الملكية الفكرية.

لا سفر يجري على ماء صاف، المنغصات جزء منه، هناك من يتحمل لطول بال، أما «سريعو الاشتعال» فعليهم تجنب الذهاب إلى مدن مزاجها صعب، تتعامل مع السائح على أنه مشروع «كسب مشروع» وإن لم يكن كذلك، وفي بعض البلدان تشتد الإجراءات الأمنية بما يعدّه مسافرون تنغيصا يستهدفهم، وليس ضمن الحذر العابر للقارات من هجمات، حيث موزعو الموت يتجوّلون في العالم باحثين عن فرصة قتل، ولهم ذات ملامحنا في أغلب الأحيان.
في كل مدينة أصادف حكاية، واللافت أن عذبها لا يبقى، لكن «السيئ» يلحّ في مقاومة النسيان، والمثير أنه يستعاد ضمن سياق كوميدي، كسائق سيارة الأجرة في كيوتو اليابانية عندما ذهب بي إلى فندق يتشابه اسمه مع الفندق الأصلي الذي يفترض بي أن أقيم به، وكان عليّ أن أبحث جاهدا عن شيء يدل على العنوان الأصلي، وكانت بطاقة فندقي في طوكيو ليسألوهم أي فندق هذا المخلوق سيذهب إليه ضمن الوفد الثقافي القادم من هناك، فلديهم عناوين المشرفين على الرحلة.
وذات مرة، في مطار أمستردام، كان الشرطي يجر كلبا ضخما، كأنه عجل، وكنت على علاقة غير طيبة مع الكلاب في الأصل، لكن الكلب الهولندي ترك كل الركاب المنتظرين رحلاتهم، وجاء ليتشمم كيسا صغيرا وضعته على رجلي، لم يكن به إلا أسطوانات موسيقية لسيمفونيات اشتريتها من بلاد أنفاسها موسيقى، والحمدلله أن أنفاسي لم تنقطع والكلب الضخم لا يحتاج إلى معين «أمني» ليتفقد، بأنفاس متوحشة، في هذا العربي المتوجس، تكاد عيناه تفضح الرعب في داخله، من الشرطي، ومن الكلب!
في القاهرة قلت لسائق «التاكسي» أن يستمر في أغنيته بعد أن سكت فجأة، ردّ: يا بيه، أنت أخذت التاكسي بالمطرب؟!!، وفي ذات القاهرة، وبعد ساعات من المشي كنت أتوجس من الطوابق الخمسة المتوجب عليّ صعودها لعدم وجود مصعد، وبدأت بالصعود محملا بأغراض تثقل الكاهل فوق ما أثقله السير الطويل، وبعد أن وصلت لاهثا إلى باب الشقة في الدور الخامس، اكتشفت أنني صعدت المدخل الأول من البناية، وليس الثاني، بما تطلب نزولا خمسة أخرى، وصعود مثلها.. مرت سنين طوال، لكن الحكاية طازجة في ذاكرتي.
في جزيرة تايلندية تبعد عن العاصمة ساعات طوال، خلت المحفظة من النقود، وكان لزاما عليّ ملئها، تخيلت للحظة أن بطاقتي لا تعمل، فارتجفت خوفا، ماذا يمكن أن يحصل، ومعي عائلتي في هذا المكان، ووســـائل تحــويل الأمــوال لم تكن متاحــة كما عليه الأمر الآن، حينها علمتني التجــربة أن أحمل بطاقتين معي، واحدة في المحفظـة، في حالــة سرقتها تبقى الأخــرى في مكان آمــن داخل حقيـبة الملابس!
كل سفر.. وأنتم في أمان.