ترامب وتحدي الصين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
ترامب وتحدي الصين

براهما تشيلاني

على مدى السنوات الثماني الفائتة، مع اتجاه موقف الصين في آسيا نحو العدوانية على نحو متزايد، انتقد كثيرون الرئيس باراك أوباما بسبب فشله في الوقوف في وجه العملاق الآسيوي. ففي عهد أوباما، استولت الصين على حاجز سكاربورو الساحلي الضحل المتنازع عليه من الفلبين وسارعت إلى بناء سبع جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، ثم نشرت عليها أسلحة ثقيلة ــ وكل هذا من دون أن تتكبد أية تكاليف دولية. ويتوقع كثيرون أن يعمل خليفة أوباما الشديد اللهجة دونالد ترامب على تغيير كل هذا. ولكن البداية لم تكن مبشرة بالخير.

فخلال حملته الانتخابية، هَدَّد ترامب بفرض رسوم جمركية ثقيلة على الواردات الصينية، واعتبار الصين متلاعبة بالعملة منذ «اليوم الأول» له في المنصب. وبعد فوزه بفترة وجيزة، تلقى ترامب مكالمة تهنئة هاتفية من رئيس تايوان، فانحرف بذلك عن العقيدة الدبلوماسية التقليدية التي دامت نحو أربعين عاماً. ثم قطع ترامب خطوة أخرى على نفس المسار، فاقترح علانية أنه يعتزم استخدام سياسة «الصين الواحدة» كورقة مساومة في المفاوضات بشأن القضايا الاقتصادية والأمنية المثيرة للجدال ــ من الضريبة على الواردات إلى كوريا الشمالية.

ولكن ترامب تراجع. فقد أوضح الرئيس الصيني شي جين بينج أنه لن يتحدث مع ترامب على الهاتف قبل أن يضمن تعهد الرئيس الأمريكي باحترام سياسة الصين الواحدة. وقد حدثت المكالمة، وفعل ترامب ما طلبه الرئيس الصيني بالضبط، من دون أن يحصل منه على أي شيء في المقابل في ظاهر الأمر. وإذا كانت الصين ترى الآن أن ترامب «ينبح ولا يعض»، فمن المؤكد أنه سيجد صعوبة بالغة في تأمين التنازلات من جانب الصين بشأن القضايا المتعلقة بالتجارة والأمن.
الواقع أن ترامب ليس الشخص الوحيد في إدارته الذي يتخذ موقفا جريئا في التعامل مع الصين، ثم يتراجع بخنوع. فخلال عملية المصادقة من جانب مجلس الشيوخ، أعلن وزير الخارجية ركس تيلرسون أن الولايات المتحدة ينبغي لها أن «ترسل إشارة واضحة إلى الصين» من خلال حرمانها من الوصول إلى جزرها الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي. وأضاف تيلرسون مؤكدا أن توسع الصين في المنطقة «أشبه باستيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم» من أوكرانيا ــ وهو انتقاد ضمني لسماح أوباما بحدوث هذين التطورين.
غير أن تيلرسون سارَع إلى التراجع، كما فعل رئيسه الجديد. وهو يزعم الآن أن الولايات المتحدة تحتاج فقط إلى امتلاك «القدرة» على تقييد قُدرة الصين على الوصول إلى جزر بحر الصين الجنوبي، في حال حدوث طوارئ.
بيد أن سلوك الصين يستحق تحركا أقوى من جانب الولايات المتحدة الآن. فالصين تحاول قلب الوضع الراهن ليس فقط في بحر الصين الجنوبي، بل وأيضا في بحر الصين الشرقي ومنطقة الهيمالايا. وهي تعمل على خلق مجال نفوذ ضخم من خلال مبادرة «حزام واحد، وطريق واحد». كما تعمل على إعادة هندسة تدفقات الأنهار العابرة للحدود. والمقصود من كل هذا تحقيق هدف قادة الصين المتمثل في إعادة ترسيخ مكانة «المملكة الوسطى» الأسطورية.
والسياسة الأمريكية المعيبة هي التي فتحت الطريق أمام هذه المساعي، جزئيا من خلال المساعدة في تحويل الصين إلى قوة تصديرية عاتية. وليست المشكلة أن الصين تتمتع باقتصاد قوي، بل في انتهاكها لقواعد التجارة الحرة لدعم صادراتها وعرقلة الواردات، من أجل حماية فرص العمل والصناعة المحلية. واليوم تبيع الصين من البضائع للولايات المتحدة ما قيمته 4 دولارات في مقابل كل دولار واحد من الواردات.
وتماما كما أثقلت كاهل العالَم ببلاء الحركات الجهادية من خلال تدريب المجاهدين الأفغان ــ القوة المقاتلة المناهضة للسوفييت التي نشأ منها تنظيم القاعدة ــ خلقت الولايات المتحدة من دون قصد وحشا منتهكا للقواعد عن طريق مساعدة صعود الصين الاقتصادي. وظلت الولايات المتحدة تحافظ على السياسة التجارية الودودة معها حتى في حين ازدادت انتهاكات الصين جرأة ووضوحا.
ومن عجيب المفارقات أن الصين، التي شنت في هدوء حربا تجارية لسنوات، ردت على تهديدات ترامب بفرض تعريفات عقابية بالتحذير ــ وبشكل خاص في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام ــ من مخاطر تدابير الحماية والحروب التجارية. ولكن لم يصدق الجميع قصة الصين. فقد بدأت دول عديدة تدرك أن المعاملة بالمثل ينبغي أن توجه علاقاتها مع الصين.
وربما يتحدى ترامب ذاته الصين. فعندما وافق على احترام سياسة الصين الواحدة، قال إنه فعل ذلك بناء على طلب الرئيس شي جين بينج، مشيرا إلى أن التزامه بهذه السياسة لا يجب أن يُعَد أمرا مفروغا منه.
وعلاوة على ذلك، حتى من دون تحدي سياسة الصين الواحدة، يتمتع ترامب بحيز واسع لفرض الضغوط. وبوسعه أن يبدأ بتسليط الضوء على القمع الصيني المتزايد في التبت. وهو أيضا قادر على توسيع الاتصالات السياسية والتجارية والعسكرية مع تايوان، حيث خلفت سياسة الصين الواحدة التأثير المتناقض المتمثل في تعميق حس الهوية الوطنية بين الناس وتعزيز إصرارهم على الحكم الذاتي.
في كل الأحوال، مع استمرار الصين في ملاحقة طموحاتها التوسعية، لن يجد ترامب مجالا يُذكَر للاختيار غير التحول نحو محور آسيا ــ بشكل فعلي وليس شفهيا فقط كما فعل أوباما. ولتقييد الصين وجلب الاستقرار إلى آسيا، سوف يضطر إلى العمل بشكل وثيق مع الأصدقاء. ومن الإشارات الإيجابية في هذا السياق الجهود التي يبذلها لإقامة رابطة شخصية مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ــ أول زعيم أجنبي استضافه في مار ألاجو (البيت الأبيض الشتوي) ــ والأولوية العليا التي تعطيها إدارته للعلاقات مع الهند وكوريا الجنوبية.
لقد تسبب أوباما في إرباك محوره الآسيوي عندما فشل في منحه أي ثِقَل استراتيجي. والآن باتت الفرصة سانحة لترامب لتغيير هذه الحال ــ وهو مسؤول عن هذا. وإذا لم يفعل، فسوف تستمر الصين في تحدي حلفاء الولايات المتحدة ومصالحهم، وسوف تكون العواقب المحتملة جسيمة وبالغة الخطورة بالنسبة لآسيا والعالم.

أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث

السياسات الذي يتخذ من نيودلهي مقراً له