لماذا نقيم أداء مجلس الشورى؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
لماذا نقيم أداء مجلس الشورى؟

علي بن راشد المطاعني

أحد أعضاء مجلس الشورى عاتبني بأنني أركز في مقالاتي على المجلس، وأنتقد أداء أعضائه، وأنني أسلط الأضواء على السلبيات دون الإيجابيات حسب قوله.
قلت وفي إطار الرد المنتظر: نحن نمارس دورنا المهني، ننتقد كل المؤسسات نقدا موضوعيا ومسؤولا، إيمانا منا بأن لا أحد أعلى من أحد، وأن الهدف الأسمى والأعلى الذي نسعى إليه جميعا هو المصلحة العامة ومنها بل من أولوياتها تقويم العمل في البرلمان الذي ما زلنا ننتظر ونأمل منه الكثير.
ولعل أهم قيمة يمكننا استلهامها هنا هي أن يكون المجلس قدوة في كل شيء وأي شيء باعتباره يمثل الشعب، وأحد أركان السلطات الثلاث في الدولة، التي يعول عليها الكثير، إلا أن بعض الإخفاقات والممارسات لا يمكن السكوت عليها أو تجاهلها وفي إطار ذات الهدف وهو المصلحة العامة كما أشرنا وتأكيدا على حقيقة أن المجلس معرض للنقد شأنه شأن كل الجهات الاعتبارية في الدولة ولم يكن يوما بمنأى عن ذلك.
إن نقد الممارسات الخاطئة في المجلس لا يعني بالضرورة عدم رضانا عن أدائه بشكل كامل، فنحن نقر بأنه إضافة كبيرة وتأكيد على أننا دولة مؤسسات وقانون، وإن كنا قد انتقدناه فذلك من باب الإحساس بهواجس المرحلة التي تمر بها البلاد كغيرها من الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية، وإن دوره يزداد أهمية في هذه المرحلة إذ عليه دور مهم وتاريخي في معالجة وإدارة الأزمة.
إن التركيز من قبل المجلس على إلقاء اللوم على الآخرين بعد كل همسة نقد تقال في حقه نرى بأنه منحى كفيل بتشتيت تركيز المجلس عن واجباته، فنحن في حاجة ماسة إلى جهوده خالصة وناصعة البياض ولا تشوبها شائبة تكدر من صفاء ذهنه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن.
هذه نقطة مضيئة إلا أنها سلبية تعكس العديد من المفاهيم منها عدم نضج الخبرة البرلمانية بما يكفي كغيرها من التجارب في دول أخرى سبقتنا في هذا الحقل، إذ إن المفترض حدوثه في مثل هذه الظروف هو تكاتف وتعاضد كل مؤسسات الدولة لإيجاد الحلول وتذليل الصعاب وتحطيم جبال الاستحالة، فقد حان الوقت الذي يجب أن نشمر فيه عن سواعد الجد وصولا لهدف أغلى وأعلى وهو إخراج البلاد من أزمتها الطارئة، ففي هكذا ظروف فإنه من المفترض أن يكون المجلس في حالة انعقاد دائم، ولا هم له غير الانكباب على مناقشة ومعالجة الأزمة عبر التشاور المتواصل مع السلطة التنفيذية لإيجاد المخارج وسد الثغرات، وليس فتح جبهات تبدد عبرها الجهود سدى.
فالمجلس وأعضاؤه لم تنضج لديهم بعد روح معايشة الواقع على ما يبدو، ومن ثم السهر لأجل تحقيق وعودهم التي قطعوها لناخبيهم، غافلين عن سمو الهدف وهو إدارة دفة مركب البلاد نحو الموانئ الآمنة، أو بمعنى آخر نحو الأفضل.
فإذا كان ما حدث يصنف كإخفاق مؤسسي في نظرنا من المجلس تجاه الأزمة وتعاطيه معها بغض النظر عن دوره ومسؤولياته، فإنه يتعين عليه النظر للواقع بمنظار أوسع يأخذ عبر تلك النظرة المصلحة العامة ليضعها في عين الاعتبار.
من إخفاقات المجلس التي حسبت عليه لا له وكان ينبغي عليه تبريرها وتوضيحها أو حتى النأي عنها هي الصدمة التي ألمت بنا عندما طالب أحد أعضائه ‏بتخفيض البعثات الدراسية الجامعية التي تمنحها الحكومة لخريجي الدبلوم، فقلت في نفسي إذا كان الأعضاء بهذا المستوى الذي يحملهم على المطالبة بتخفيض البعثات الأكاديمية، فنرى من الأفضل إغلاق المجلس لانتفاء الحاجة إليه.
بل إننا لا نعرف لماذا لم يصدر البرلمان بيانا توضيحيا يعتذر فيه عن هذا المطلب الذي قدمه أحد أعضائه لوزيرة التعليم العالي، التي صدمت هي الأخرى، وقالت بحرقة إن المنح الدراسية، جاءت بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وبعد جهد كبير من الوزارة بإقناع الحكومة بدعم التعليم العالي وإتاحة أكبر الفرص لمخرجات الثانوية العامة للدراسة داخل السلطنة وخارجها، وإنها توقعت بأن المجلس وأعضاءه سوف يؤكدون على زيادة البعثات وليس تقليصها، وأبدت الوزيرة الموقرة أسفها إذ يأتي مجلس الشورى أو أحد أعضائه ويطالب بإعادة النظر في هذا الجانب المهم الذي يعد عنوانا لتطور الشعوب وتقدمها.
فمجلس الشورى يجب أن يعي أن بناء الفرص للشباب في التعليم العالي أهم من فروقات بيسات في أسعار البنزين التي شكلت لها لجان، وعقدت لها جلسات‏، وأصدرت فيها بيانات، وهو ما يدعونا إلى تقييم أدائه وضبط إيقاع ممارساته التي لم تتعاط مع الأزمة بالشكل الإيجابي والمنتظر منه.
في المقابل ينبغي أن يدرك المجلس وأعضاؤه أن الصحافة لابد أن تتابع أداءهم لتعكسه للناس، وتنتقد ممارساتهم إذا كانت غير متوافقة مع العقل والواقع، أو عندما تسبح عكس التيار، فهذه رسالتها ودورها منذ الأزل، إذ عليه تقبل هذا النقد وبصدر رحب مهما كان قاسيا.
بالطبع هذا التقييم وهذه الملاحظات لا تعني أن المجلس لم يقم بدوره أو سيطرت عليه الممارسات السلبية بنحو كامل، فالمعنى المقصود هنا هو تأكيد حقيقة أن المجتمع يراقب البرلمان تماما كما يراقب أداء الجهات الحكومية.
نأمل من مجلس الشورى أن يقيم أداءه بين فترة وأخرى ولا ضير في تقييم توجهاته للوقوف على الإيجابيات منها ومعالجة السلبيات، وتعميم الوعي بمقتضيات المرحلة التي تتطلب الكثير إزاء بلورة سياسات مساندة للدولة للخروج من المأزق.