عصر الجواري الجــديـــد

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
عصر الجواري الجــديـــد

لميس ضيف

بعد حديث مبتسر عن حياة الجواري قبل وبعد الإسلام، قال المذيع في محاولة للاستظراف على ما يبدو: احمدوا الله أنكم لم تولدوا في عصر الجواري! ويبدو أن المذيع، كسواه من أغلب الرجال في هذا الشطر من العالم، يعيش في فقاعة الجهل بما تعانيه المرأة العربية التي تعيش اليوم حياة أسوأ من تلك التي عاشتها الجواري والحرائر في تلك الأزمان الغابرة!

قبل أن ترفض أيها القارئ ما نقول انظر له بعقل منصف فكما تقول الحكمة «العاقل خصيم نفسه».. فالمرأة في تلك العصور كانت لا تركب الخيل ولا تخوض الغزوات ولا تعمل في التجارة، وإن كانت تملكها أحياناً بحكم الورث، ولكنها كانت مجبرةً على اكتراء من يدير لها مالها. كانت مسؤوليات المرأة تنحصر في إمتاع الرجل، وتوفير احتياجاته واحتياجات أبنائه. وكانت رعاية المنازل البسيطة من مسؤولياتها أيضاً. فإن اتسعت تلك المنازل «دلالة على مكانة الرجل المادية والاجتماعية» فعادة ما يقترن ذلك بوجود إماء وعبيد لخدمتها.
باختصار كانت مسؤوليات المرأة وأعباؤها تنحصر في «رعاية» الزوج -أو السيد إن كانت جارية والرجل للعلم سيد في الحالتين- ورعاية الأبناء تبعاً لذلك. في المقابل كان الرجال يملكون تلك الأفضلية «بما أنفقوا من أموال» فقد كان الرجل هو المعيل وهو مصدر الرزق وعليه كانت تقع -حصراً- هموم تدبير المعيشة للأسرة.
اليوم، وبعد الحركة النسوية وتطور الحياة وانتهاء عصر الرق وبزوغ فجر عصر حقوق الإنسان، ما زالت المرأة مسؤولة عن رعاية الزوج والأبناء والمنزل أيضاً، لكنها أيضاً صارت مسؤولة عن المساهمة في توفير المعيشة للأسرة وإعالتها! لذا فهي تعيش أسيرة ضغوط عملها التي لا تنتهي في ساعات النهار. لتكمل مسيرة الشقاء في المنزل، حيث تمضي باقي ساعات يومها في أداء الواجبات المنزلية، ولأن المرأة معطاءة بطبعها تعيش حياة الثور في الساقية دون أن تدري. أحياناً يحالفها الحظ بزوج يكافئها بامتنان مجاني يشحن طاقتها. وقد تقع في يد زوج جاحد، يزيدها كمداً بطلباته وتذمره. في المقابل خفت مسؤوليات الزوج في الإنفاق والإعالة وتحمل أعباء المعيشة، وما زال غير مُطالب -في عين المجتمع وفي عين نفسه بل وفي عين المرأة نفسها- بالمشاركة الفعلية في أعباء إدارة المنزل، وحاشا لله أن تطلب منه زوجته كي الملابس أو تنظيف الأرضيات فهو في قرارة نفسه سيد لا تليق به أعمال الجواري!
أما الطريف في الأمر أن المرأة موهومة اليوم أنها أفضل حالاً من سالفتها، وأن ما حصحص الحق فالرجل لا يُلام لحفاظه على هذا الهرم المقلوب فهو المستفيد والمنتفع منه. بل تلام المرأة «أماً وزوجة» لأنها تتعايش مع هذا الإجحاف على أنه واقع ولا تحاول هزه وتغييره.. وكل عام والمرأة الحرة بخير.