لمن تذهب أوروبا؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٧/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
لمن تذهب أوروبا؟

غي فيرهوفشتات

ستشهد الانتخابات المقبلة في هولندا وفرنسا وألمانيا حمى سياسية الأشد ارتفاعا منذ إنشاء الاتحاد الأوروبي. إن النظام الديمقراطي الليبرالي بعد الحرب معرض للتهديد في كل مكان، ولاسيما في أوروبا، حيث يواجه الاتحاد الأوروبي التحديات التي تشمل روسيا العدوانية على نحو متزايد، والتهديد المستمر للإرهاب، والحرمان من الحقوق الديمقراطية، والنمو الاقتصادي غير المتساوي.
وبعد استفتاء بريكست في المملكة المتحدة وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، فإن السؤال الذي يواجه أوروبا واضح وصريح: هل الشعبوية والقوى الوطنية ستمارس نفس التأثير في البلدان الأساسية للاتحاد الأوروبي؟
في هولندا، يتقدم خِيرت فيلدرز وحزب الحرية اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي بقوة في الانتخابات التي ستجرى الشهر المقبل. ويوافق فيلدرز على قرار ترامب التنفيذي بمنع دخول أي شخص من سبعة بلدان مسلمة إلى الولايات المتحدة. مثل كبير الاستراتيجيين لترامب، ستيفن بانون، ينظر فيلدرز إلى العالم من خلال تصور عنصري، ويعتقد أنه يشارك في معركة لإنقاذ الحضارة الغربية من الإسلام.
لا يحمل أي حزب آخر في البرلمان الهولندي وجهات نظر كهذه، لذلك ما زال وصول فيلدرز إلى الحكم بعيد المنال. ومع إصرار رئيس الوزراء الهولندي مارك روت على موقفه، فمن المرجح أن يتم هزم فيلدرز في نهاية المطاف.
وفي الوقت نفسه، في فرنسا، تتقدم زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان في استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية، التي ستُنظم في جولتين في أبريل ومايو. ووعدت لوبان بإجراء استفتاء على عضوية فرنسا في منطقة اليورو، على الرغم من تحذيرات بنك فرنسا أن ترك الاتحاد النقدي يمكن أن يزيد من الدين القومي الفرنسي بما يقدر بـ 30 بليون أورو (31.8 بليون دولار) سنويا. كما أعربت عن رغبتها في تفكيك المكونات الأساسية للتكامل الأوروبي ومنع حرية الحركة للمواطنين الأوروبيين.
خلال استفتاء بريكست في المملكة المتحدة والانتخابات الرئاسية الأمريكية، دعم الناخبون من المناطق الحضرية الكبيرة بشكل كبير "البقاء" في أوروبا وهيلاري كلينتون، على التوالي. ومن المحتمل أن نشهد نمطا مماثلا في الانتخابات الفرنسية. لكن في حين أن الناخبين الأكبر سنا قد دعموا القومية الأمريكية والبريطانية، تدين لوبن بالكثير من دعمها إلى الفئات الأصغر سنا وهذه علامة مقلقة على مدى شعور القطاعات الرئيسية من الناخبين الفرنسيين بالحرمان من حقوقهم.
مما لا شك فيه أن انتصار لوبان سيزعزع استقرار أوروبا سياسيا واقتصاديا. ومع إطلاق العنان للقوميين الخطيرين لتحقيق أهدافهم الشيطانية، فمن الممكن أن يتفكك الاتحاد الأوروبي كما نعرفه بسهولة. لكن أولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية الليبرالية، وسيادة القانون، والتكامل الأوروبي لا يزال لديهم الوقت لإعداد مرشح بديل الذي من المرجح أن يسود في الجولة الثانية للانتخابات مع لوبان، ويأمل المرء أن يحقق هذا المرشح كثيرا من الإصلاحات المنشودة والتمسك بدور فرنسا الاستباقي في أوروبا.
في الانتخابات الألمانية في وقت لاحق من هذا العام، من غير المرجح أن يكون البديل اليميني المتطرف في ألمانيا (AFD) قادرا على الوصول إلى الحكم، على الرغم من أي دعم يتلقاه من روسيا. لكن المستشار المقبل -سواء كان مارتن شولتز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) أو أنجيلا ميركل- سيكون عليه قيادة التحالف العالمي للاستعداد للدفاع عما تبقى من نظام ما بعد الحرب. وينبغي أن يشمل هذا الجهد كندا، وأستراليا، والحلفاء الغربيين في آسيا، لكن يجب أن يبدأ بإعادة تنظيم أوروبا من الداخل.
واحتفل الأوروبيون مؤخرا بالذكرى الخامسة والعشرين لمعاهدة ماستريخت، التي شهدت لحظة فارقة في تاريخ التكامل الأوروبي. كما تعلمنا في السنوات الفاصلة أن سلطات الاتحاد الأوروبي غير كافية للتصدي لجميع التحديات التي تواجه أوروبا في الوقت الراهن. يجب أن تساعد ألمانيا على تصحيح هذا الوضع من خلال تقديم رؤية لأوروبا أكثر ثقة وطموحا والتي يمكنها التغلب على الانقسامات الداخلية، والنظر لأمنها، وإدارتها للهجرة على نحو مستدام.
وإذا ما ظهرت حركات جديدة لمواجهة القوى القومية والشعوبية، فلن يكون هذا السيناريو بعيد المنال. وبينما يواصل زعيم حزب الاستقلال البريطاني الأسبق نايجل فراج، وفيلدرز، ولوبان، ونظرائهم في إرباك المستضعفين المناهضين للمؤسسة الحكومية، بدأ هذا الوهم يتلاشى، وذلك نظرا لفوزهم وفي حال حزب الاستقلال، نظرا للفضائح المالية.
وإذا تمكن الزعماء القوميون اليمينيون المتطرفون من الوصول إلى السلطة في بعض الدول الغربية الكبرى، فإنهم سرعان ما سيكتشفون أن إعطاء وعود شعبوية أسهل من الحفاظ عليها كما يكتشف ترامب الآن وسط بداية الفوضى المقلقة لإدارته. على ترامب، ومؤيدي البريكست، ونظرائهم أن يثبتوا أنه بإمكانهم كقادة ضمان الرخاء الاقتصادي المشترك على نطاق واسع والدفاع عن أنظمة الحكم العالمي بكفاءة ومهنية على الساحة العالمية.
في عالم تسوده العولمة حيث الدول القومية الفردية عاجزة على نحو متزايد، لا تستطيع القومية الشعبوية تحقيق التغيير الذي يطالب به الناس. ولحسن الحظ، لا تزال الديمقراطية الليبرالية تقدم البديل التقدمي، وبعد فوز ميركل أو شولتز في ألمانيا، وبعد هزيمة لوبان المحتملة في فرنسا، يمكن ظهور هجوم مضاد عالمي.
وفي الوقت نفسه، ظهرت الحركات الوسطية الموالية لأوروبا الجديدة بالفعل في جميع أنحاء أوروبا، من نووزيسنا (الحديثة) في بولندا إلى سيودادانوس (المواطنون) في إسبانيا. هذه الأحزاب لا تروج الأكاذيب، ولا تدين بنجاحها إلى الدعاية الروسية أو إلى وسائل الإعلام الاجتماعي.
الآن بعد وصول بعض الشعبويين إلى السلطة، يتحمل الليبراليون مسؤولية محاسبتهم وتقديم رؤية بديلة. إن التقليل من الناس الذين صوتوا لبريكست، ولترامب، ولأمثالهم الأوروبيين ليست إستراتيجية سليمة. يجب الحكم على الديماغوجيين العالميين الجدد من خلال أعمالهم، وهزمهم بالحجة والعقل، واحترام الديمقراطية.

رئيس الوزراء البلجيكي الأسبق