«لا يجوز التبليغ عن الرادار»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٧/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
«لا يجوز التبليغ عن الرادار»

على بن راشد المطاعني

دهشت كثيراً من طلب البعض فتاوى من سماحة مفتي عام السلطنة في أمور إدارية ومالية عامة وإجراءات حكومية يحاول البعض أن يضفي عليها رأياً دينياً من خلال الحصول على فتوى من سماحته، وهذه سلوكيات يحاولون بها جر المؤسسة الدينية إلى أمور عامة ليست لها علاقة بالجوانب الدينية، وبالتالي إحراج سماحته بأسئلة خارج اختصاصه، وهو أمر لا يخلو من سوء نية كما نراه.

فهناك الكثير من الأمثلة على هذه الوقائع سواء في وسائل الإعلام عبر برنامج سؤال أهل الذكر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال إرسال فتاوى مباشرة إلى سماحة المفتي ونشرها عبر الوسائط الاجتماعية، فبعض هذه الأسئلة من الممكن وصفها بالخبيثة، ولا يجب أن تعرض في برامج دينية، لعدم الاختصاص.

ومن هذه الأسئلة سؤال وُجِّه لسماحته عن رأى الدين في الرادارات التي تضعها شرطة عمان السلطانية لضبط السرعة في الطرق العامة وهل يجوز التبليغ عنها أم لا.
فسؤال كهذا يهدف دون ريب إلى التحريض على مؤسسات الدولة من بوابة الدين وبالتالي يجب الحذر منها، فهي كمن يدس السم في العسل كما يقال، فما هي الإجابة التي ينتظرها هذا السائل من سماحته، هل ينتظر إجابة على صيغة أنه فعل حرام شرعاً كإجابة منتظرة ومأمولة؟
هذه الممارسات تهدف إلى خلط الأوراق بين مؤسسات الدولة، والمؤسف أن مثل هؤلاء يسعون لإقحام الدين بكل جلالة قدره هنا، وفي هذا المنعطف يتعين علينا التحلي باليقظة وبالفكر الثاقب الذي يتيح لنا النأي عن هكذا محاولات تنقصها اللباقة والكياسة.
وبما أن سماحته هو دوماً في مستوى الحدث والأحداث فقد أفحم السائل برده عبر أدبه الجم والمعروف عنه بعدم جواز التبليغ عن أجهزة الرادار، إذ إن في ذلك -كما ورد في إجابة سماحته- تعارضاً مع الإجراءات الأمنية الهادفة لحماية أرواح الناس وهذا إجراء يصب في صالح المجتمع وفي صالح أمنه، حيث يفترض منا جميعاً أن نعاضد هكذا إجراءات.
بالطبع نؤمن بأن الدين هو الحياة، ويجوز لكل شخص أن يطلب أية فتوى في أمور حياتية عامة من سماحته أو غيره من علماء الدين، ولكن ثمة أسئلة لا علاقة لها بالجوانب الدينية، في إشارة إلى أن هناك من يرغب في إساءة استخدام وسائل الإعلام العامة في تمرير مواقف أو الحصول على إجابات يستند عليها أو يحشّد الرأي العام بها من خلال تداولها وختمها برأي وتوقيع المفتي، ومن ثم الاتكاء عليها لتمرير مزاعمه وإثارة البلبلة في المجتمع بأسره، وهذا نهج وأسلوب بات مكشوفاً عبر وعي أفراد المجتمع.
فعلى سبيل المثال في الفترات الفائتة وعبر برنامج سؤال أهل الذكر في تلفزيون سلطنة عمان، مُررت أسئلة لسماحته ليس لها علاقة بالبرنامج الذي يرتكز على الجوانب الدينية والحياتية ذات العلاقة بالدين، فطُرحت أسئلة غريبة، حول لماذا لا يُرقَّى الموظفون‏؟ وأسئلة أخرى بشأن التوظيف والإضرابات، وهل يجوز ترفيع الطلاب لدرجة النجاح وغيرها من الأسئلة الغريبة، يبدو أن هناك من يحاول أن يمرر أجندة من خلال هذه البرامج ويضع معدِّيها ومقدميها في مواقف محرجة، ويمتد الحرج بالقطع لسماحته مع يقيننا بأنه قادر على الخروج من هذه المواقف ببساطة.
فلمثل هذه التساؤلات والطروحات والشكاوى هناك مؤسسات في الدولة ومحاكم إدارية مختصة للفصل فيها، ومن له مظلمة عليه اللجوء إليها فسيجد بإذن الله الإنصاف الذي يستحقه فلا يجب أن تحشّد المجتمع من خلال طلب فتاوى دينية في مسائل إدارية وإجرائية وأمنية كما يفعل البعض للأسف.
فمن الأهمية بمكان الحرص على هيبة المؤسسة الدينية والحرص على عدم إقحامها في مسائل جدلية كالإدارة والشؤون العامة فهي من اختصاص جهات أخرى معروفة، فهذا الإقحام من شأنه أن يجر هذه المؤسسة ورجالاتها إلى جوانب لا ينبغي أن تسلكها أو حتى الخوض فيها، حتى تحافظ على كيانها الراسخ في أذهان المواطنين بحياديتها واتزانها ونزاهتها في التعاطي مع الشأن العام بحذر شديد يجنبها الدخول في أمور شائكة بعيدة عن مجال عملها.
نأمل التعقل في طرح مثل هذه الأسئلة التي نراها كحق يراد به باطل، فوضع هذه الأجهزة ليس له علاقة بـ “يجوز ولا يجوز، وحرام وحلال” فليس هناك ما يدعو إلى صبغ الدين في كل الجوانب العامة التي تنظمها القوانين في البلاد، في إطار دولة المؤسسات والقانون.