عُمان.. بعد زيارتين

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
عُمان.. بعد زيارتين

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby

خلال فترة قصيرة جدا، في العرف الزمني السياسي، زار السلطنة ضيفان على قدر كبير من المكانة، مكانة الدولة القادم منها الرئيس حسن روحاني، حيث إيران لاعب أساسي في قضايا عربية شائكة تبدو أنه لا مخرج منها، وإن خرجت فإنها لن تكون ذات الدول التي عرفناها قبل عام 2011، باستثناء العراق التي عاشت أزمات أصابت كينونتها كقوة يحسب حسابها، وترسخت فيها أشباح التقسيم، إن لم يكن جغرافيا فإنها طائفيا تباعدت جزرها كأنه يستحيل أن تعود إلى ذات العراق الواحد، القوي بجيشه وثرواته، ليس أقلها البشرية.

ومكانة الزعيم، وأعني سمو الأمير جابر الأحمد الصباح، وما وجده من استقبال يليق برجل يحب عمان فبادلته المحبة، سلطانا وقيادة وشعبا، رجل لم نعرف عنه إلا سموا في التعامل مع الأحداث، وحكمة تجمع الشتات من حولها إلى كلمة سواء.. قدر ما يريده الفرقاء، وما يستطيعون العبور فوق مصالحهم الشخصية متنازلين من أجل بقاء وطن يعيشون فيه، لا يتقاتلون على ترابه.
مسقط أرادتها رسالة واضحة..
.. زيارة يوم واحد (ساعات معدودة) للرئيس الإيراني كان الجانب العملي فيها واضحا، هناك ملفات نوقشت، وقضايا طرحت، وتحديات لا بد من الانتباه إليها، وسط تغيرات وتحولات لا يمكن التنبؤ بنتائجها، ومن يتصارعون اليوم سيجدون أنفسهم أمام خسائر ضخمة، فالرهانات تتساقط ولا يبدو أن هناك مكاسب من هذا التدافع على الأدوار الإقليمية، ترامب لا يشبه أوباما، أو ممن سبقوه، أولئك الذين حركوا الجيوش لضمان استقرار بلدان الخليج، فالرئيس الأمريكي الجديد «مكشوف» النوايا، ولم يصل إلى سدة الرئاسة اعتباطا، بل يبدو أنه رجل المرحلة الذي وصلت إليه إستراتيجية النظام العالمي الجديد، مهما بدا الجنرال بوتين ساعيا إلى فرملته، قدر ما يسمح به الغرور الإمبراطوري المتوارث.
.. وزيارة أمير الكويت، لثلاثة أيام، وسط ترحيب شعبي قال كلمته (وضوحا) على امتداد الطريق الذي سلكه موكب الأمير، واحتفاء خاص به من لدن جلالة السلطان المعظم يعطي مؤشرا لا لبس فيه أن الجوار الخليجي العربي غير قابل للمساس في نهجنا معه، وأن من يمدّ إلينا يدا بيضاء، محـــبة وصراحـــة وتقديرا، سيجـــد يدنا التي ما اعتادت إلا بياض النوايا، والتوازن في المواقف.
عمان ليست غامضة، ولا مواقفها تتسم بالغموض، عمان هي الوضوح الناصع، فقط لمن يعرف قراءة لغة «الوضوح»، واللغة التي تتبناها وزارة الخارجية في بلادنا هي ذات اللغة التي نتحدث بها كمواطنين، نختلف مع الآخر، شرقا أو غربا، لكننا لا نعاديه، ولم يكن في عمان ذات يوم حملة إعلامية ضد أحد، لأن ما يجمعنا مع هذا الآخر، على اختلاف مذهبه ودينه وجنسيته، أعمق مما يمكن أن يفرقنا من مواقف تبدو وقتية، ولذلك عندما نغضب لا نتهور حتى لا ننحني ذات يوم فنعتذر، الأشخاص ينحنون اعتذارا، لكن لا يفترض بالأوطان الكبيرة أن تنحني لتعتذر، بحجة أن شخصا أخطأ.. برعونة في «رد الفعل»!