المخاض العسير للحل في اليمن

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
المخاض العسير للحل في اليمن

علي ناجي الرعوي

بعد عامين على الحرب التي اندلعت في اليمن (مارس 2015) والعثرات المختلفة التي جابهت طريق السلام والفشل الذي منيت به الجهود الإقليمية والأممية في الوصول إلى توافق يؤدي إلى إيقاف هذه الحرب التي ضاعفت من معاناة اليمنيين فإن الأمم المتحدة لم تزل تأمل في إحداث اختراق يفضي إلى انفراج يوقف المأساة التي يعيشها أفقر البلدان العربية وأكثرها خطورة على أمن الخليج.

وينسجم هذا التوجه مع رغبة الأمين العام الجديد للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش في إعادة الاعتبار لدور الأمم المتحدة بعد الإخفاقات المتعددة التي أسهمت في تراجع تأثيرها على صعيد إحلال السلام والاستقرار في الساحات الملتهبة بالأزمات سيما في منطقة الشرق الأوسط، ولعل ذلك هو ربما ما دفع بالأمين العام للقيام بأول جولة في المنطقة لبحث تلك الأزمات في المقدمة منها الأزمة اليمنية مع أبرز اللاعبين الإقليميين حيث زار الرياض والتقى بالقيادة السعودية، كما زار أبوظبي ومسقط والقاهرة، ومع استئناف هذا الحراك الأممي بشأن الأزمة اليمنية على وجه التحديد جاءت تحركات اللجنة الرباعية الخاصة باليمن والمكوّنة من أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات والتي عقدت الأسبوع الفائت بمشاركة فاعلة من الدبلوماسية العُمانية ممثلة بمعالي يوسف بن علوي، اجتماعاً في مدينة بون الألمانية للوقوف على آخر تطورات الصراع في اليمن، وكان من نتائج ذلك الاجتماع تكليف المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لبدء جولة جديدة من المشاورات مع طرفي الأزمة ودعوتهما لاستئناف العملية التفاوضية ومواصلة النقاش حول خريطة الطريق التي سبق وأن تبنّتها الأمم المتحدة كمدخل للحل في اليمن.

ولم يبالغ اليمنيون في تفاؤلهم بمثل هذه التحركات الإقليمية والدولية خاصة وهي من جاءت متلازمة مع المساعي والجهود العُمانية والكويتية والهادفة إلى حلحلة تعقيدات الأزمة اليمنية لقناعة الجميع بما تتمتع به قيادتا البلدين من حنكة وحكمة وتاريخ طويل في التعاطي مع الشأن اليمني والأزمات التي مر بها هذا البلد خلال العقود الماضية، ويتعزز مثل هذا الشعور بصورة أكبر بما عكسه لقاء مسقط بين جلالة السلطان قابوس - حفظه الله ورعاه - وأخيه أمير دولة الكويت من حرص على وقف النزيف اليمني وما أظهره من وعي حقيقي بمدى خطورة استمرار هذا الوضع ملتهباً على الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة عموماً، ومن هذه الزاوية فإن الكل في اليمن يعوّل على هذا الجهد الأخوي لإنضاج مرحلة الحل في بلد ينتابه الإحساس بالإحباط وشيء من اليأس بعد عامين من العذابات والصدامات المدمّرة.

لقد فتحت الحرب المزدوجة والمستعرة في اليمن أبواباً مشرعة لمعارك مستقبلية وصراعات طويلة المدى وذلك بعد أن تعرّض السلم الاجتماعي بفعل هذه الحرب للكثير من الشروخ الأفقية والرأسية التي قد تدفع بهذا البلد في اتجاه التقسيم إلى كانتونات تتنازعها الأحقاد والثارات والعصبيات الجهوية والقبلية والمذهبية التي تجعل من التعايش بين هذه الدويلات القزمية غير قابل للحياة، ولا شك أن كل مطلع أو متابع لمجريات الأحداث الجارية في اليمن يدرك تماماً أن كسر هذه الحلقة المغلقة لم يعد أمراً سهلاً بيد أن المشاكل التي أفرزها طول زمن الحرب هي من قد تحتاج إلى عقود طويلة حتى يتم التعافي منها وتجاوز أمراضها وتهدئة النفوس واستعادة السلم الاجتماعي.

لذلك ليس جديداً القول إنه لا يوجد أي بديل في الساحة اليمنية عن خيار الحوار والتفاوض مهما تعثرت آليات هذا الخيار؛ فالحرب على طول فترتها الزمنية أثبتت بالفعل أنها ليست الوسيلة المثلى للخروج من مستنقع الفشل الذي انغمست فيه اليمن، وفي الوقت نفسه فقد برهنت التجربة المريرة التي مرّ بها هذا البلد أن المماحكات وعمليات الشد والجذب والمماطلة والمناورة والمواقف المتصلبة ليست الفعل الصائب الذي يمكن من خلاله إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقدرات اليمن التي تنال منها الحرب يومياً، وأنه ليس أمام اليمنيين سوى التنازل لبعضهم البعض والتوصل إلى حل سياسي يكون فيه الجميع شركاء في بناء دولة قابلة للنهوض والبقاء.
قد يرى البعض أن أية تسوية سياسية لا بد وأن تستقيم وفقاً للمرجعيات المحددة سلفاً من المجتمع الدولي دون الالتفات إلى أن الواقع الراهن قد تجاوز الكثير من مفردات تلك المرجعيات، فالمنعطفات الكثيرة والكبيرة التي شهدها اليمن خلال العامين الفائتين لا بد وأنها قد ألقت بظلالها على مجمل الخريطة السياسية والديمغرافية والجغرافية اليمنية والقفز على هذه المتغيّرات وفرض بعض البنود المرجعية غير القابلة للتنفيذ على أرض الواقع من شأنه أن يعيق أي حل ويسهم في إطالة أمد الحرب ويقود حتماً إلى مآس كثيرة وانفجارات لن تكون لأحد أياً كان قدرة على التحكم فيها أو السيطرة عليها.
ما ينبغي الإشارة إليه هنا أن اليمن اليوم غير اليمن الذي كان قبل «عاصفة الحزم»، فهو من تشظى بشكل كامل إلى أربع دويلات تتوزع السيطرة عليها على أربع حكومات، فهناك حكومة الرئيس هادي في عدن وحكومة أنصار الله وحزب صالح في صنعاء وحكومة ثالثة في مأرب ورابعة في حضرموت، وهناك أيضاً أكثر من جيش وأكثر من مليشيات، حيث بات لكل محافظة ولكل جماعة جيش أو مليشيات مسلحة، وبعيداً عن هذه التشكيلات العسكرية والجيوش التي نشأت تحت مسميات مختلفة، تنمو التنظيمات الجهادية والمتطرّفة كتنظيم القاعدة الذي أصبح أقوى من أي وقت مضى بعد أن استطاع أن يحوّل اليمن كله إلى مقر مركزي رسمي بديل لمقره الأسبق في أفغانستان، مضاف إلى هذا التنظيم تأتي حالة النهوض المتصاعدة لتنظيم «داعش» الذي يتمركز في عدة مناطق مستفيداً من حالة الفوضى المتواصلة لما يقارب العامين وحالة المجاعة والفقر التي تسمح له باجتذاب العديد من الشباب المحبطين إلى صفوفه بسبب الظروف المفروضة عليهم.
وحيال هذه العوامل فإن البحث عن الانتصار العسكري المطلق في اليمن من أي طرف كان، لم يعد احتمالاً واقعياً بالقدر الذي يصبح فيه الإصرار على الخيار العسكري دافعاً لانفجار اليمن بمن فيه ومن حوله.

كاتب يمني