في انتظار الحكومة الإلكترونية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٢/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
في انتظار الحكومة الإلكترونية

علي بن سالم الراشدي

ما زال أي مراجع لأغلب وزاراتنا الخدمية يحتاج أن يتابع عشرات الأوراق لإنجاز أي معاملة رسمية، وينتظر الساعات للوصول إلى منفذ الموظف والذي قد يطالبه بالعودة أدراجه مرة أخرى لاستكمال ورقة أخرى كان من المفترض أن تتوفر في جهاز الموظف الإلكتروني بضغطة زر ما دمنا نتحدث عن تحول إلكتروني يستفيد من خدمات الاتصالات، ولكن الواقع يقول بأننا «نسمع جعجعة ولا نرى طحناً»، فالتحول الإلكتروني بطيء جداً، وطوابير الانتظار ما زالت موجودة في أغلب صالات إنجاز المعاملات، ومكائن تصوير المستندات تعمل ليلاً نهاراً، وغياب المعاملات في دهاليز الوزارات هو سيد المشهد، والمحظوظ مَن يجد شخصاً يعينه على تعقبها، وقد يكمل كرمه بمساعدته بإخراجها من هذه الدهاليز سالمة غانمة منجزة.

التحول إلى الحكومة الإلكترونية الشاملة يعني الاستغناء عن الأوراق والأختام والدمغ، وعن طوابير الانتظار، وعن التعقيد، وعن المواعيد المتغيّرة على حسب مزاج الموظف، وعن الواسطة التي قد يسعى إليها بعض المراجعين الذين أعيتهم الحيل في إنجاز مواضيعهم، والتحول الإلكتروني يعني أيضاً ربط الوزارات آلياً ونقل كافة المعلومات عبر الشبكة العنكبوتية بحيث يمنح أي مراجع رقماً إلكترونياً سرياً يستطيع عبره إنجاز معاملاته وهو جالس في بيته، وفي حالة تطلب إنجاز المعاملة المراجعة إلى الجهة المسؤولة يكتفي فقط بالتأكد من شخصيته عن طريق بطاقته، والتحول الإلكتروني يعني- يا مسؤولين- تحديد سقف زمني محدد لإنجاز الخدمات بدون الحاجة إلى المراجعة الدائمة، وكذلك يعني أن الجميع سواسية أمام النظام المتبع، «فلا اســتثناء لزيد ولا تفضيل لعبيد»، فالأمر يتم آلياً وفق قانون يسري على الجميع ويمنع اختراقه أو التحايل عليه.
استمرار بعض الجهات في ممارساتها العقيمة في الإدارة يطرح تساؤلاً عن الأسباب التي أدّت إلى تأخرنا في إنجاز الحكومة الإلكترونية مع تسخير الإمكانيات كافة وإنشاء هيئة مستقلة لتقنية المعلومات تتجسّد رؤيتها حسب نظامها الأساسي الذي أنشئت من أجله إلى تحويل السلطنة إلى مجتمع معرفة حي وحيوي عن طريق الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز الخدمات الحكومية.
الواقع يقول إن كل وزارة ما زالت تعيش في عالمها الخاص، فلا ربط بينها وبين الوزارة الأخرى، فالمراجع المغلوب على أمره يتطلب بأن يتسلح بذخيرة كافية من الأوراق تُطلب منه في كل مراجعة وفي أي لحظة، والأدهى والأمر والذي يثير التعجب أن تطلب وزارة صورة من مستند هي مَن أصدرته وأجهزتها هي مَن خطته ولكن «على مَن تقرأ زبورك يا داود».
وسط هذا المشهد هناك خطوات رائدة قطعتها بعض الجهات الحكومية للانتقال التام نحو التطبيق الآلي في إجراءاتها وأصبحت مثالاً نتمنى أن تحذو حذوه وزارات أخرى، ومنها شرطة عُمان السلطانية وبلدية مسقط وبعض الجهات الأخرى التي استطاعت خلال بضع سنوات التحول إلى العالم الإلكتروني بما يعنيه من خفض في المتطلبات الإجرائية وكذلك تقليل الوقت المطلوب علاوة على فتح نوافذ متعددة ساهمت وبشكل كبير في راحة المراجعين وفي راحة موظفي هذه الجهات من تطبيق خطوات عقيمة أكل الدهر عليها وشرب.
نتمنى من الحكومة وضع برنامج زمني محدد للانتقال الآلي لتطبيق التقنية الحديثة لكافة الخدمات الحكومية ترتكز أولاً على تغيير مفاهيم الإدارة الحديثة للقيادات لديها، فالحكومة الإلكترونية ليست هي أجهزة تصدر أوراقاً وتخزنها، بل هي اختزال للإجراء وللوقت وهي تبسيط للإنجاز وهي شفافية في التعاطي مع الجميع على قدر المساواة، وهي أولاً وأخيراً تقدير لوقت المراجع ولوقت الموظف ولمصلحة الوطن. فهل سنشهد يوماً نرى فيه الأوراق تاريخاً ونرى فيه المواعيد ذكريات.. نتمنى ذلك.