حلول أزمات العرب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٦ ص
حلول أزمات العرب

أحمد المرشد

لا يخفى على أحد كم الانتقادات التي تعرضت لها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها العام 1945 وحتى وقتنا الراهن، فأداء الجامعة على مر أمنائها العامين يتفاوت ربما بشخصية وأداء الأمين العام. وغالبا ما تتكثف حركة الانتقادات وقت الأزمات، وما أكثرها عندنا نحن معشر العرب، فلا نكاد نتجاوز محنة حتى تلاحقنا الأخرى بعدها مباشرة، والأمثلة كثيرة ولكن لا داعي لها في مقالنا هذا الذي نحاول أن نبحث فيه رؤى الجامعة العربية في تجاوز الأزمات الراهنة خصوصا في الدول العربية المتأزمة، وطبيعي أن نتحدث عن سوريا والعراق واليمن وليبيا، وهي الدول التي تمر بأزمات يبدو لنا كعرب أنها ستكون بعيدة عن الحل، هذا على خلفية أن شعوب تلك الدول يشعرون بأنهم سيظلون في كبوة إلى حين.

مشكلتنا أيضا كعرب أن منطقتنا عموما تشهد حالة فوضى غير مسبوقة، لم نرها من قبل، حتى لو تذكرنا للتو حربي الخليج الأولى والثانية واحتلال العراق للكويت ثم الغزو الأمريكي للعراق، فلم تكن بمثل هذه الفوضى التي نحياها حاليا، حتى إننا لم نعش هذه الفوضى إبان فترة احتلال العراق للكويت، لأن الأزمة كانت محكومة ومعروفا حلها مسبقا خاصة بعد اتفاق معظم الدول العربية على المشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت، ولهذا لم نجزع كثيرا، وبينما استمر العراقيون الاحتلال بعض الوقت، فإنهم شعروا بخطئهم في لحظة تالية وأعتقد أنهم ندموا على فعلتهم.. ولكن ما نعيشه حاليا يبدو لنا بعيدا عن الحل، وإن كان الذي يبادر بالحل هم القوى الدولية والإقليمية التي تسعى للسيطرة على شؤون المنطقة بالكامل.
هذه القوى الإقليمية التي نتحدث عنها تبذل أقصى جهودها لتثبيت وضع إقليمي لا يخدم سوى مصالحها وليس المصالح العربية، مستغلة حالة تنافر وتضارب مصالح القوى الدولية الأخرى أو الأكبر لو شئنا الدقة -روسيا والولايات المتحدة-، فموسكو التي أصبحت صاحبة المبادرات لحل الأزمة السورية استغلت ما يجري حاليا في المنطقة لاستعادة مكانتها السابقة ولتعيد مجدا غاب عنها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبروز الولايات المتحدة كقوى عظمى وحيدة عقب انتهاء الحرب الباردة لصالحها هي ودول أوروبا الغربية.
ومن هنا، كانت منطقتنا العربية -خاصة المشرق منها- مسرحا لتدخلات القوى الكبرى والإقليمية، كل طرف يريد أن ينهش من الحدود والسيادة العربية، ويضيف لرصيده الجغرافي والسياسي والاقتصادي والعسكري.. ولهذا، يتعين الحديث عن ضرورة وضع رؤية عربية موحدة تضع في الاعتبار أن يكون حل الأزمات العربية نابعا من داخل المنطقة العربية، وأن تكون الجامعة العربية هي القوى الفاعلة في وضع هذه الحلول والمبادرات، وأن تقوم أيضا بدور المنفذ لما يتم التوصل إليه عربيا من حلول على أرض الواقع. فكفى ما مررنا به من غياب توافق الرؤى، فقد تركنا أمورنا للغير، وتركناه يفعل ما بدا له، لدرجة أنه أصبح يمثل تهديدا مركزيا لنا، كما أنه يمثل ضغطا عسكريا على قيادات وشعوب المنطقة.
وبما أننا تحدثنا في البداية عن الجامعة العربية، ربما نشير إلى رؤية أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة، وهي الرؤية التي طرحها خلال «حوار المنامة» الأخير، فهو في البداية حدد أبعاد الأزمة العربية، وتبدأ من غياب الحد الأدنى من توافق الرؤى حول التهديدات القائمة، خاصة مع تصاعد المخاوف الأمنية وتعدد مصادر التهديدات والتي يأتي أغلبها من داخل الدول نفسها. هذا أولا، وثانيا أن هذا الأمر يستلزم قيام نقاشات جدية حول المبادئ والمنطلقات الرئيسية لأي ترتيبات مستقبلية في المنطقة. ليس هذا فقط، ولكن يجب أن تأخذ هذه النقاشات في الحسبان أن محاولة تغيير الأوضاع بصورة كلية أو شاملة أو جذرية قد تفضي إلى وضع لا يقل صعوبة أو سوءا عما كان في السابق. أما عن الرؤية التي حددها أبو الغيط لتجاوز الأزمات العربية الحالية، فتتأسس في 6 مبادئ، ويمكن أن تشكل في حال تطبيقها أساسا للنظام الإقليمي الجديد. وهذه المبادئ هي:

1ضرورة احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وأن تحظى الدولة الوطنية بالأولوية، خاصة أن هناك بعض القوى الإقليمية التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وعلى أن تكون السيادة مقرونة في ذات الوقت بالحكم الرشيد، وتفعيل دولة القانون، والعدالة، وتبني سياسات تؤمن عدم تهميش أية فئة أو جماعة.

2عدم اللجوء لتغيير الحدود، لأن هذا سيوجد مشكلات أكثر مما سيقدم من حلول، باعتبار أن التقسيم أو التفتيت لن يسهما سوى في المزيد من عدم الاستقرار وتنامي النزاعات، هذا في ظل عدم وجود معيار أو منطلق أو محدد واضح يمكن أن يكون أساسا لأي تقسيم.

3اعتماد مبدأ اللامركزية، حيث يوفر الحل الدائم لمعالجة الأوضاع في المجتمعات التي انفجرت الأمور بداخلها، وباعتبار أن هذا المبدأ يفتح مجالا أكبر للطوائف المختلفة للحفاظ على مصالحها وكياناتها وثقافاتها، في إطار دولة وطنية موحدة.

4ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع العربي/‏‏ الإسرائيلي لكي يكون هناك نظام إقليمي مستقر.

5ضرورة أن يعلن المجتمع الدولي موقفا موحدا قويا ضد امتلاك أي من دول الإقليــم لأســلحــة دمــار شــامــل بأنواعها المختلفة.

6ضرورة تبني برنامج إنعاش اقتصادي شامل على غرار «خطة مارشال» الأمريكية لأوروبا، واستيعاب سلبيات الحقائق الاقتصادية والاجتماعية القائمة لتجنب حدوث دورات متتالية من عدم الاستقرار، لأنه لا يمكن أن تتحقق أية هندسة أمنية إقليمية في ظل تجاهل الجذور الاقتصادية والاجتماعية لعدم الاستقرار في المنطقة، حيث تعاني المنطقة في هذا الإطار مجموعة من المشكلات والأزمات على رأسها البطالة، والشح المائي، وتراجع الإنتاج الزراعي، وتغير المناخ.

وإذا رجعنا لآخر قمة عربية قبل اندلاع الأزمات الناجمة عما يسمى بـ«الربيع العربي»، والتي استضافتها مدينة سرت الليبية آنذاك، نتذكر معا المشروع التوسعي الذي أعلنه الأمين العام عمرو موسى في حينها، وهو مشروع «رابطة دول الجوار» الذي دعا إلى كيان إقليمي تدخل فيه تركيا وإيران. وبدت تركيا آنذاك وكأنها إحدى دول النظام العربي، ومعها بالتالي إيران. ولهذا، قد نستدعي هذا المشروع الآن من النسيان إلى الذاكرة، لماذا؟.. لأن ما أعلنه عمرو موسى وقتها تحت مسمى «رابطة دول الجوار» وكان مجرد مشروع أو اقتراح تم انتقاده بشدة سياسيا وإعلاميا، قد أصبح واقعا فعليا حاليا، واقعا نعيشه نحن العرب، فلن نعيد ذكر الحقائق التي تؤكد أن تركيا وإيران قد أصبحتا من اللاعبين الكبار في الساحة العربية حاليا، وتحديدا في ساحة دول الشام، والتي تشهد أزمات متلاحقة كما ذكرنا في البداية. فما اقترحه عمرو موسى وخرج به عن القاعدة العربية وكان خيالا وقتها، تحقق بفعل أزماتنا، وهو ما يتطلب ضرورة تكاتف جميع الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية للخروج من عنق الزجاجة، ولتكون المبادرات من داخلنا، من دخل الجامعة كمظلة سياسية ومنظمة جامعة لنا نحن العرب، وعلينا أن نلجأ إليها وقت الشدائد والمحن، فالجامعة هي الملاذ الآمن للعرب، ومن داخلها ستأتي الحلول والمبادرات وليس من الجوار.

كاتب ومحلل سياسي بحريني