الرادارات تخفض الحوادث فعلاً

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٦ ص
الرادارات تخفض الحوادث فعلاً

علي المطاعني

لعل هذا الطرح لا يعجب البعض من مرتادي الطريق ممن يقودون مركباتهم بالسرعة العالية التي وطنوا أنفسهم عليها خطأ، إلا أن الحقيقة يجب أن تقال حتى لو لم يرض عنها الكثير، إذ يجب ترسيخ ثقافة سلامة الطريق في المجتمع، فضلا عن قبول الرأي الآخر حتى وإن كان مخالفا لمصالحنا أو بالأحرى مصالح المجتمع.

فالحوادث بحسب الإحصائيات الرسمية انخفضت بنسبة 32 في المئة، هذا التطور الإيجابي جاء معاكسا للمتغيرات التي تفرض ارتفاعها أي الحوادث بشكل متزايد عن معدلاتها السابقة، لا أن تنخفض وبالنسبة التي أشرنا إليها وذلك لاعتبارات عديدة منها: الزيادة السكانية المطردة وما يصاحبها من زيادة في أعداد المركبات، وما خلفته الموبايلات من تدني التركيز في القيادة على حساب التركيز على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى المحادثات المرئية والمسموعة في آن معا.
إلا أنه ورغم كل ذلك فإن نصب الرادارات في الشوارع العامة كان له مفعول السحر في تقليم أظافر تلك العوامل على ما يبدو، وهذه محصلة تستحق معها شرطة عمان السلطانية ممثلة في المديرية العامة للمرور كل الشكر وعميق الامتنان.
فقد بذلت جهدا واضحا وملموسا ومحمودا في ترسيخ علم الثقافة المرورية وتبسيطه ليجري بعدها كالنسيم العليل ليلامس وجوه كل مستخدمي الطرق، مصحوبا بوسائل للردع في مجابهة السلوكيات الخاطئة، مما جنب المجتمع خطورة الحوادث المؤلمة والمميتة وتبعاتها وآثارها معروفة بالطبع لدى كل أطياف المجتمع، تلك مآسي لها في ألسن كثير من الناس طعم أمر من المر.
إن الرادارات ليست أداة لتحصيل الرسوم كما يرى البعض للأســف، كما أن البعض يختزل هذه الوسيلة في هذه النظرة المبتورة والقاصرة، متجاوزا ربما عمدا حقيقة أنها تبلور على الأرض سلوكيات وممارسات كفلت فعلا لا قولا حماية الفرد والمجتمع في المقام من آلام وجراحات الحوادث.
فالتذمر من ارتفاع الغرامات الناتجة عن صيد الرادارات كرد فعل أولي لدى البعض نراها طبيعية، إذ أن هذا البعض لم يصل بعد إلى درجة أو مرحلة (الالتزام) وهي الدرجة الذهبية التي تسعى كل الجهات ذات الصلة في الوصول إليها ذات يوم آت بإذن الله، وعسى أن يكون قريبا بحول الله أيضا.
ومن الآن وحتى الوصول لتلك المرحلة أو لتلك الدرجة فإن العقوبة ستظل قائمة وسيبقى الرادار يمارس هواية الصيد المحببة لنفسه بغير كلل وأيضا بغير ملل، وستظل الأصوات المتذمرة تعلـــو وتهبــط كالأمواج ثم لا تلبث أن تتحطم في صخور الغرامات تأكيدا على حقيقة أنه لا حيلة لها غير العودة لجادة الصواب.
إن شرطة عمان السلطانية وعندما تراقب الشوارع من خلال أجهزة الرادار، فإنها تقدم لنا في الواقع خدمة على طبق من ذهب وليس من فضة بالتأكيد المغلظ، ومفاد الخدمة جلي وواضح وهو التنبيه من السرعة الزائدة والتحذير من مخاطرها الجسام، وهذا المعنى هو الأحق بالاحترام خلافا لما يعتقده البعض والقائل إن الهدف الأعلى والأسمى هو زيادة إيراداتها المالية، علما بأن الموارد المعنية تذهب أصلا لخزينة الدولة وليست لجيوب مسؤولي الشرطة، وبالتالي يتعين علينا أن نكيل الشكر عبقا وعطرا للشرطة على هذه الخدمة الاجتماعية جليلة الأثر وعظيمة الفائدة إذ هي تولي سلامتنا الشخصية أقصى درجات سعيها المحمود.
إن الجهود المبذولة لخفض الحوادث المرورية أتت أكلها ميدانيا كما أشرنا، ثم نذهب للاعتقاد إلى أن انخفاض الحوادث ليس مرده للرادارات وحدها، وإن كانت هي السبب الأعلى في هذا الإنجاز الكبير، هناك أمور أخرى منها المطبات، وإن كانت مزعجة بعض الشيء، إلا أنها هي الأخرى ساهمت في ضبط سلوك السرعة الزائدة خصوصا في الأحياء السكنية، وقللت من دهس الأبرياء في الأزقة والحارات وعلى رأسهم الأطفال كما نعرف وللأسف.
نعتقد أن العقوبات والضوابط تأتي عندما تغيب اللمسة الحضارية والمتحضرة عند التعامل مع الأمور ذات الطابع العام ومنها الشارع بطبيعة الحال، صحيح أنه لا أحد يرغب في أن يرى المطبات والرادارات ولكنَّ للضرورة أحكاما كما نعرف.
نأمل أن تستمر معدلات انخفاض الحوادث المرورية إلى مستويات أدنى بتضافر الجهود واكتمال منظومة الوعي بآداب المرور والقوانين المنظمة لاستخدام الطريق وبما يضمن أن نعيش جميعا سالمين غانمين في حلنا وترحالنا.