ماذا يقول تمثال حافظ الأسد للسوريين؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٦ ص
ماذا يقول تمثال حافظ الأسد للسوريين؟

د. فيصل القاسم
لقد قلناها مراراً لكل من كان يحاول إقناعنا بأن الثورة ستغير من سلوك النظام السوري وتصرفاته وعقليته، قلنا إن النظام لن يتغير إلا للأسوأ فيما لو استتب الوضع له مرة أخرى. لقد حاول البعض الضحك علينا بالقول: صالحوا النظام، فلن يعود كما كان، لأن الأحداث غيرت عقليته، وستغير طريقته في الحكم. لكننا كنا نقول: أنتم مخطئون تماماً. وها هي الأيام تثبت صحة كلامنا. فقط انظروا إلى منطقة الساحل السوري معقل النظام الأول. لقد بات حتى المؤيدون يترحمون على أيام النظام الخوالي قبل الثورة. لقد عاد الخوف والإرهاب مضاعفاً عشرات المرات حتى إلى مناطق النظام التي ساندته ووقفت معه، وقدمت عشرات الألوف من شبابها من أجله، ومع ذلك فقد باتت مناطق النظام تشعر بالرعب من جديد بعد التدخل الروسي في سوريا بعد أن استعاد النظام أنفاسه قليلاً. فكيف سيتصرف إذاً عندما يعود ويمسك بمفاصل السلطة الأمنية والعسكرية بشكل كامل لا سمح الله؟ لا شك أنه سيجعل كل السوريين يترحمون على الأيام الخوالي بالتأكيد. إعادة تمثال الرئيس السوري الراحل إلى حماة باختصار هو مثال بسيط على ما يحضره النظام لسوريا في حال انتصاره.

رجعت حليمة لعادتها القديمة والنظام يلعق جراحه: تخيلوا ماذا سيفعل إذا استعاد قوته، وماذا سيحدث للشعب الذي ثار عليه. لقد بات حتى سكان المناطق المؤيدة في الساحل السوري مسبقاً يشتكون همساً من وحشية الشبيحة الذين سلطهم النظام حتى على مناطق مؤيديه. ولطالما وصلتني رسائل كثيرة من بعض المعارف في الساحل السوري وهي تقول: «تعالوا وشوفوا كيف عاد النظام أشرس وأعتى بعشرات المرات مما كان عليه قبل الثورة. عاد لينتقم ويتنمر ويستأسد وينكل، لا بل عاد ليتفنن بتأديب العباد في اللاذقية فما بالك في غيرها».
وكي يؤكد أنه لم يندم قيد شعرة على ما فعله بالسوريين على مدى ست سنوات، ها هو النظام يستفز السوريين جميعاً، ويعيد تمثال حافظ الأسد إلى قلب مدينة حماة بعد أن اضطرت إلى سحبه خوفاً من هجمات المتظاهرين قبل حوالي ست سنوات. لا تقللوا من خطورة هذه الخطوة ورمزيتها، فهي رسالة صارخة من النظام إلى السوريين الحالمين بالتغيير والإصلاح بأن يسنوا أحلامهم بفتح صفحة جديدة.
لاحظوا أنهم أعادوا تمثال حافظ الأسد إلى حماة وليس أي تمثال آخر، وكأنهم يقولون للشعب السوري إنكم ستترحمون حتى على فترة بشار الأسد قبل الثورة التي اتسمت بقليل من الانفتاح، وستعودون إلى فترة حافظ الأسد بكل تفاصيلها رغماً عن أنوفكم.
لا تنسوا أنهم أعادوا التمثال في ذكرى مجزرة حماة، وكأنهم يذكرون أهل المدينة والشعب السوري عموماً بأننا لن نتغير. إنه تحد صارخ لكل من رفع صوته ضد النظام، وطالب بقليل من أوكسجين الحرية. إنها صفعة قوية لأهل حماة الذين يحبون حافظ كما يحب البشر مرض السرطان، مع ذلك أعاد بشار الأسد تمثال أبيه إلى المدينة كرسالة استفزاز وإذلال لأهل المدينة وبقية المدن السورية المحروقة.
لاحظوا أن النظام أكثر اهتماماً بإعادة تأكيد سطوته على السوريين من الاهتمام بعذابات حتى المناطق المؤيدة، فقد تزامن الاحتفال بعودة التمثال مع أزمات معيشية خانقة في الساحل السوري حيث تطالب الناس هناك بليتر بنزين أو مازوت وساعة كهرباء وحبة دواء، لكن بدلاً من تلبية أبسط حاجيات مؤيديه، قام بشار الأسد بإعادة تمثال والده إلى حماة، مما جعل البعض يقول للمؤيدين ساخراً: «خلي تمثال حافظ الأسد يعيد لكم الكهرباء، ويؤمن لكم البنزين والمازوت والخبز».
البعض لم يعط أهمية كبيرة لإعادة التمثال، فبرأيهم، ليست إلا حركة ضمن إطار الحرب النفسية ضد المعارضة لرفع معنويات الشبيحة والممانعجية الذين يذوقون ويلات حرمان جميع أشكال متطلبات الحياة في مناطق الداخل التي تقع تحت سيطرة النظام، وهي حركة تشبه على سبيل المثال لا الحصر خطاب النصر المعهود للنظام ونظرية «خلصت» بعد السيطرة على أي ضيعة أو مدينة.
لكن البعض الآخر يقول: أيها السوريون: النظام يريد أن يقول لكم: سننتقم من كل من كتب كلمة ضدنا على مدى سنوات الثورة، وستعودون جميعاً إلى عباءة القائد الخالد الذي يتحداكم بعودة تمثاله الآن إلى حماة ولاحقاً إلى كل المناطق السورية التي حطمت التماثيل. هكذا يفكر النظام وهو منهار ويلعق جراحه، فكيف سيتصرف إذا استعاد كامل عافيته الأمنية والعسكرية؟

مذيع في قناة الجزيرة