حيرة أمام السيدة و"جبرين"!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
حيرة أمام السيدة و"جبرين"!

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

بين الروايات ما تقرأها فتندفع فورا إلى وضع أسئلة حول غياب الدراما المحلية التي يقال إنها تعاني من أزمة نصوص، وفقدان السينما هويتها، حيث لا تقدم ثراء التراث والهوية، قديما وحديثا، قدر ما تتمسك بمبررات الدعم، وإن وجدته فإنه يذهب إلى استعراضات العلاقات العامة والارتجالية، حيث تتصاعد روح الاستبداد (والثقة العمياء) في دواخل القائمين على ذلك الجهد/ الاجتهادات!
قبل بضعة أشهر قرأت إصدارين، الأول عن الحنين إلى الوطن تضمن مذكرات السيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان وهي تعيش أزمتها مع المكان الألماني، حيث تواجه فقدان الزوج بما يعنيه من حالة عميقة في أزمة تتسلسل منها أزمات، هي الأميرة العربية العمانية الأفريقية، تواجه شتاء أوروبا وثقافتها، وحيدة مع أطفالها اليتامى.
وقرأت أيضا روية "جبرين، وشاء الهوى" لـ د. سعيد السيابي، وكان الحصن/القصر مناخها وأرضيتها الممتدة إلى مسقط وزنجبار.. في مشاهد تكاد تكون مرسومة للحارس الذي يلتقي بالمرأة الغامضة، كما تريد السينما (تحديدا) وهي تأخذ مشاهدها إلى لغات التاريخ والمكان والغموض والسحر، وأجزم أن تحويلها إلى فيلم سينمائي سيجعل من حصن جبرين مزارا سياحيا يتضاعف دوره، محليا وخارجيا، لأن لغة الفن السابع خير ترويج، حيث تقوم بما لا تستطيعه الأسابيع الثقافية والمعارض المتخصصة، لأن متابعيها كثر، بما لا يقارن بزوار تلك الفعاليات، ولا بالأموال المنفقة عليها.
أستعيد تجربة الفنان سالم بهوان، وألحّ عليه لتكرارها في جبرين، في عدة أفلام سينمائية قاربت المكان العماني، ربما لم تحقق طموحنا العالي لتجارب قوية ومنافسة، وربما ذلك عائد إلى محدودية الإمكانيات المالية والفنية المتاحة، لكنه له شرف المحاولة، والاجتهاد في تقديم أعمال تنتمي إلى الأرض، بجهود شخصية، مع عدم إغفال دعم مؤسسات وشخصيات آمنت بمشروعه.
اختار محافظة ظفار ليقدم فيها فيلمين، الأول "بحث عن مستحيل" قارب فيه أفلام الحركة (الأكشن) مع قصة غامضة، لكنه عاد إلى ظفار مرة أخرى، مستفيدا من أخطاء التجربة الأولى، ليقدم فيلم "مرة في العمر" بجرأة تمثلت في استخدام الشحرية في حوارات تظهر العادات والتقاليد والفنون الجميلة في المحافظة، وتقدم المكان سينمائيا، بجمالياته وفرادة طبيعته، وفي فيلم "قصة مهرة" ذهب إلى مسندم، حيث "الكمزارية" وجه آخر لتعدد اللغات واللهجات في السلطنة، مع خصوصية المكان في المحافظة، والعادات والتقاليد فيها.
هذه الأفلام وضعت نحو عام كامل في قائمة المشاهدة على متن عدد من خطوط الطيران، العماني والاتحاد والقطري والإمارات، ووزعت منها أقراص (سيديات) كما عرض في الفضائية العمانية.
لا أعدد هذه الأفلام من باب أنها المثال/النموذج، بل كإشارات مهمة فيما يمكننا تقديمه (فنيا) عبر لغة السينما، وهو توثُّق المكان والتاريخ بثراء يصبح تعريف أجيالنا به، كما نقول للآخرين إننا لسنا طارئين على حضارة موسومة دوما بالثراء النفطي، فهل سنرى "سالمة" أو "جبرين" في أعمال سينمائية، نصوصها بين أيدينا، ولكنا عندما نفكر في "الثقافة والفنون" فإن علامات الحيرة تصيبنا.. في مقتل إبداعي!