لماذا سفاراتنا لا تروج للاستثمار في السلطنة؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
لماذا سفاراتنا لا تروج للاستثمار في السلطنة؟

علي بن راشد المطاعني

أتابع ما تقوم به سفارة السلطنة في كوريا الجنوبية من جهود كبيرة في التعريف بالسلطنة، والترويج للاستثمار في الأوساط الاقتصادية والشعبية هناك، وهذا في الواقع هو الدور الطبيعي والأهم للسفارات اليوم بعد أن تقلصت المسافات، بل لم تعد هناك مسافات أصلا بين الدول بحكم تطور وسائل وأساليب الاتصالات الحديثة، وبذلك تطور ولا نقول تبدل دور السفارات من النمط السياسي التقليدي البحت كما كان في الماضي، إلى النمط الحداثي المتمثل في عكس وإيضاح وإبراز الإمكانات السياحية والتجارية والاستثمارية المتوفرة في الدولة المعنية، وباعتبار أن هذه السفارات لديها المعرفة الكافية بالمستثمرين عبر قاعدة بيانات موثوقة مستقاة من الوزارات والجهات والشركات المحلية والعالمية بحكم التواصل الدبلوماسي القائم بين السفارات في كل دول العالم.

وبالتالي هي أفضل الجهات أي السفارات للترويج والتعريف وإقامة علاقات عبر كافة المستويات الرسمية والشعبية وتذليل الصعوبات بين السلطنة والمستثمرين باختلاف أجناسهم.

بناء عليه فإننا نأمل من سفاراتنا في عواصم دول العالم أن تحذو حذو سفارتنا في كوريا الجنوبية واليابان وسلطنة بروناي دار السلام، بدلا من تكون هامدة وراكدة بدون أي أدوار تذكر إلا التمثيل الدبلوماسي المعتاد والمتعارف عليه منذ القدم، أو ممارسة دور العلاقات العامة في استقبال المسؤولين وتوفير وسائل النقل واختيار الفنادق ومرافقة كبار الشخصيات والمسؤولين في زياراتهم الرسمية فقط.
فاليوم دور السفارات يجب أن يتغير وفق الحاجة منها ووفق الأوضاع والمستجدات الاقتصادية والسياسية والاستثمارية بما تعنيه هذه الكلمة تحديدا من جدوى للاقتصاد الوطني.
فهل ستجد هذه الملاحظات آذانا صاغية من داخل أروقة سفاراتنا بقارات العالم؟.. وهل يتم تقييم دورها وأعمالها ومنجزاتها بناء على التصورات التي أشرنا إليها؟
بالتأكيد أن السفارات في الدول لم تعد ممثلات دبلوماسية للدول فقط، إنما باتت تؤدي دورا كبيرا في كل المجالات من بينها الجوانب التجارية والاقتصادية بشكل عام، وهو ما نلحظه في سفارات دول العالم بمسقط، حيث إن لدى بعضها أقسام تجارية أو ملحقيات تقوم بالتواصل مع رجال الأعمال والترويج للمشاريع الاقتصادية وتقوم بدور حيوي في التعريف بمناخ الاستثمار في بلدانها وتسليط الضوء على ما تزخر به بلادهم من موارد ومنتجات وصناعات، فضلا عن إقامة المعارض التجارية والسياحية والملتقيات وغيرها مما نشهده في الساحة وبعضه غير منظور للعامة، لكنَّ هناك أدوارا تنجز فيما خلف الكواليس حكما.
في المقابل لا نشهد لسفاراتنا بالخارج الدور نفسه إلا واحدة أو اثنتين بالكثير كما ذكرت، وهو ما تظهره وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، بل إننا نجد أن هناك سفارات لنا بالخارج غير معروفة لكل قطاعات المجتمع المدني في تلك الدول، وهو أمر يستدعي معه بحث أهمية السفارات الراكدة ومعرفة وتقييم مدى مردودها للبلاد، بل حتى تقييم جدواها الاقتصادية من عدمه في ظل المتغيرات الاقتصادية التي تمر بها دول المنطقة والسلطنة هي بالقطع كذاك الرجل.
وعلاقاتنا السياسية الممتازة مع دول العالم، تعد رصيدا ضخما نحسد عليه، غير أنه لم يستثمر من قبل سفاراتنا بالخارج، إذ عليها بلورة فلسفة جديدة ناصعة ومرصعة بالنجوم في التعاطي مع الواقع الجديد.
الجانب الآخر وهو أن تكلفة السفارات والعاملين فيها كبيرة جدا على خزينة الدولة، وإن كان لذلك ضروراته وموجباته، ومن خلال ذلك يتعين علينا أن ندرس أهمية وجود بعض السفارات في دول العالم، إذا لم تقم بدور إيجابي يسهم في رفد الجهود الاقتصادية في البلاد والتعريف بمناخ الاستثمار المزدهر فيها، هذا ليس عيبا أو عبئا جديدا، بل هو من صميم عملها وفق التعريف الحداثي الجديد الذي أشرنا إليه
أن كلفة الترويج للاستثمار بمختلف الوسائل انطلاقا من السلطنة عن طريق وفود ودعاة وصولا لوسائل الإعلام هو مكلف ماليا، سواء من حيث النقل والإقامة والمعارض والمشاركة في المؤتمرات وغيرها، في حين أن هذه السفارات من الممكن أن تختصر كل تلك الجهود التي تبذلها الجهات المختصة في الترويج للبلاد من خلال تفعيل دور السفارات في هذا الشان وغيره، بل إن الاتصال أو التواصل المباشر بين الجهات كالسفارات والمستثمرين في دول العالم أفضل من غيره ويختصر الوقت والجهد والمال، ثم إن بعض المسؤولين وعندما يحلون ضيوفا لأيام معدودات لا يستطيعون جزما تغطية كل الجهات ذات العلاقة والصلة أو حتى عقد لقاءات مع المستثمرين وإبرام صفقات، فهذه الأعمال تحتاج إلى جهود متواصلة وإقناع لا يمكن أن ينجز في بضعة أيام.
لقد سعدنا عندما ألحق الإشراف على الهيئة العامة للاستثمار وتنمية الصادرات بالوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، واعتقدنا بأن سفاراتنا سوف تقوم بمهمات الهيئة وتنفذ اختصاصاتها في الترويج للاستثمار في البلاد، إلا أن ذلك لم يحدث للأسف، فلم نر منذ أكثر من خمس سنوات أي تحرك أو تطور في هذا الشأن.
بالطبع هناك جهود متواضعة لبعض السفارات في إقامة بعض الأنشطة ولكن على استيحاء.
نأمل من وزارة الخارجية أن تبلور فلسفة جديدة لدور سفاراتنا في رفد الاستثمار في البلاد من خلال سفاراتها وقنصلياتها.