قصــيـدة الابن البــار

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٥٢ ص
قصــيـدة

الابن البــار

ناصر اليحمدي
لا شك أن وفاة المغفور له بإذن الله تعالى فضيلة الشيخ العلامة سعيد بن خلف الخروصي -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- كانت فاجعة بالنسبة للشعب العماني بأسره.. فقد كان مثال العالم التقي الورع الوقور.. ونموذج للشخصية العمانية النقية المتواضعة الخلوقة التي تسمو بأخلاقها وعلمها وفكرها حتى صار علامة بارزة سيخلدها التاريخ العماني.

وقد استمعت مؤخرا لمرثية رائعة تسحر القلوب وتأخذ بالألباب أطلقها ابن المغفور له محمد بن سعيد الخروصي والتي ما أن لامست أذني حتى انفطر قلبي ودمعت عيني وتذكرت لقائي بالعلامة الشيخ سعيد بن خلف الخروصي -رحمه الله- في إحدى الحلقات الثقافية والفكرية التلفزيونية التي كنت أعدها وأقدمها على شاشتنا الصغيرة بل تذكرت كل ابن فقد أباه.. حيث عبر الابن البار من خلال القصيدة عما يجيش في قلبه من حب وشوق وإخلاص لوالده وأظهرت ما يكنه في قلبه من تقدير واحترام له ولمكانته العلمية العظيمة التي يحتلها في قلوبنا جميعا.. فقد عبر محمد بن سعيد الخروصي بكلماته الرقيقة التي لامست شغاف ومجامع القلوب عما يجيش في نفس كل عماني من ألم لفراق العلامة المغفور له بإذن الله تعالى.
لقد امتلك محمد بن سعيد الخروصي ناصية القصيدة وأدواتها بكل حرفية وصدق وأجاد تطويعها للتعبير عن مشاعره وهذا ذكرني بالمثل القائل «هذا الشبل من ذاك الأسد».. فكما كان الشيخ سعيد بن خلف الخروصي -رحمه الله- منارة دينية علمية ثقافية سامقة كان أيضا قامة أدبية كبيرة واستطاع أن يطوع قصائده لخدمة الأحكام الفقهية والتعبير عن أسفاره ورحلاته داخل الوطن وخارجه إلى جانب قصيدته الشهيرة في الحج المسماة «المسالك في أحكام المناسك» وقصيدة «إحكام الصنعة في أحكام الشفعة» و»معالم التبيين في الإقرار والبيان واليمين» وبالطبع لا ننسى تخميس قصيدة نهج البردة للبوصيري التي لا تقل تناسقا وجودة وإتقانا عن أبيات البردة نفسها وغيرها إلى جانب نظمه للنثر في صورة أراجيز شيقة.. وغير ذلك مما يدل على براعته الأدبية وموهبته التي جمعت بين التلقائية والبساطة والإبداع وعذوبة الألفاظ.
المستمع لقصيدة محمد بن سعيد الخروصي يجد أنها بعيدة عن الافتعال وتحمل في تعبيراتها الرقيقة الحياة المضيئة للشيخ العلامة الراحل سواء في سمائل أو البريمي أو الرستاق التي سألها عن أخلاقه ومناقبه.. كما أثبت أنه نعم الابن البار حين ختم قصيدته بالدعاء لوالده وأنه لن ينساه أبدا ما حيا.
لا شك أن مثل هذه القصائد المرهفة بالإبداعات تشعرنا بالزهو والفخر كون بلادنا تمتلك كوكبة من المبدعين الذين يمثلون امتدادا لأجدادنا العظماء ويعلون من شأن عماننا الحبيبة ويرفعون اسمها عاليا.
ندعو الله أن يلهم محمد بن سعيد الخروصي وباقي الأسرة الصبر والســـلوان على فراق والدهم الغالي.. فلله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار.. ونحن لا نعزي محمد أو يحيى أو أبناء سعيد بن خلف الخروصي وحدهم بل نعزي أنفسنا والسلطنة قاطــــبة والأمــــة العربية والإسلامية جمعاء رافعين أكف الضراعة أن يعفو عن الفقيد الراحل ويدخله مدخل صدق ويغسله بالماء والبرد وينقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ويسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. و»إنا لله وإنا إليه راجعون».

انتهاكات إسرائيل لا تنتهي

رغم أن مجلس الأمن الدولي تبنى مؤخرا قرارا بإدانة المستوطنات الصهيونية وطالب بوقف تسمين الاستيطان في الأراضي المحتلة.. ورغم اجتماع أكثر من 70 دولة في باريس وتأكيدهم على ضرورة إقرار حل الدولتين ومناشدتهم الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء لعدم اتخاذ أي خطوات أحادية بشأن الحدود أو القدس.. إلا أن الدولة العبرية ما زالت تتحدى هذه القرارات والتي تسبقها فقامت مؤخرا بهدم عدد من منازل الفلســطينيين في النقب وقرية أم الحيران وضم مستوطنة «معاليه أدوميم» شرق القدس المحتلة أي في الشق العربي من المدينة لتضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط وتفعل ما يحلو لها دون وازع من خوف أو ضمير.. بل إن التجبر وصل بها لحد اتخاذ الإجراءات الاحترازية في حال قيام الفلسطينيين بتصعيد الموقف ردا على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كما وعد بذلك الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي أصبحت تستقوي به كونه حليفا قويا للدولة الصهيونية ينفذ لها ما تشاء من قرارات حتى لو خالفت الشرعية وتعارضت مع القوانين الدولية.
إن الصلف وانتهاك القوانين ليس بجديد على الدولة الصهيونية التي دأبت على عدم الالتزام بالشرعية الدولية منذ أن انزرعت زورا وبهتانا كالخنجر المسموم في خاصرة العرب بل إنها تعلنها علانية أن القرارات الأممية ليست ملزمة لها وكأنها ليست جزءا من المنظومة الدولية أو أنها فوق القانون.
لقد قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن حل الدولتين ليس حلماً بل هو هدف المجتمع الدولي وهو ما يجعلنا نتساءل.. هل يستطيع هذا المجتمع الدولي أن يفرض على الدولة الصهيونية تسوية النزاع مع الفلسطينيين وجعل قرار حل الدولتين محل التنفيذ؟.
للأسف لا يستطيع أحد أن يرغم إسرائيل على الالتزام بأي قرار دولي طالما لا يوافق هواها ومصالحها الشخصية.. فاللوبي الصهيوني وأباطرة المال اليهودي حول العالم يتحكمون في سياسة واقتصاد الدول العظمى التي بيدها الضغط على بني صهيون لتنفيذ القرارات الأممية كما أن السياسة الاستعمارية التي تسري في الدول العظمى مسرى الدم جعلتهم لا يرون أي حقوق للدول المحتلة بل إنهم زرعوا إسرائيل خصيصا في المنطقة كي تنفذ لهم أهدافهم الخبيثة وأجنداتهم الاستعمارية بعد أن تحررت الدول العربية من احتلالهم الغاشم.
لا شك أن القضية الفلسطينية الإسرائيلية ازدادت تعقيدا بعد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض لأن سياسته تجاه هذه القضية تنحاز للجانب الإسرائيلي انحيازا مطلقا فإلى جانب أنه قرر نقل سفارة بلاده إلى القدس وهذا اعتراف منه بأحقية الدولة العبرية في كامل المدينة المقدسة فهو يرى أيضا أن المستوطنات حق مشروع للصهاينة أيا كان مكانها ناهيك عن الدعم المادي والعسكري الذي وعدهم إياه.. وهذا يجعلنا غير متفائلين بأن السلام العادل سوف يتحقق في عهده وطوال مدة رئاسته.
إن أي قرارات يتخذها المجتمع الدولي هي تحصيل حاصل وتصدرها الأمم المتحدة كي تبرز لها دورا على الساحة الدولية ولكنها في النهاية لا ينفذ منها شيء.. فالصراع ما زال قائما والدولة الصهيونية تزداد توحشا وتجبرا والانتهاكات بكافة أشكالها تطيح بالفلسطينيين يوميا ولا أحد يتحرك.. وفرنسا حين دعت لهذه القمة المهمة إنما كانت تريد أن تصنع لها دورا في القضية ولكن للأسف ظهر ضعفها وأن سياسة تلميع الصورة التي اتبعتها لم تزدها إشراقا أو تجميلا وأصبحت في موقف العاجز قليل الحيلة.
بالطبع نحن لم نتوقع مسبقا أن يخرج مؤتمر باريس بقرارات قوية تضرب بيد من حديد على الظلم وتوقف الانتهاكات الإسرائيلية عند حدها وتفرض شروطا على بني صهــيون لصــالح الفلسطينيين بل كــما توقعــنا مجرد شعارات أطلقها المشاركون لتخدير الضمير العالمي وخداع المظلومين فالبيان الختامي للمؤتمر لم يأت بجديد ولم يسع لكف أذرع الاحتلال عن المنطقة بل يمكن القول إنه قيد تحرك الفلسطينيين حين أعلن أن أي إجراءات أحادية الجــانب لن يعترف بها أي أن أي قرار سيسعى الفلسطينيون للحصول عليه من الأمم المتحدة من الممكن ألا يكون معترفا به طالما لم توافق عليه إسرائيل.
يجب أن يتحرك المجتمع الدولي بصورة جدية وينقذ ما يمكن إنقاذه لأن أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة لم يعد لها أثر في الواقع فلا مساحة ولا حدود محددة ولا تواصل سكاني يتيح لأهلها تكوين دولة.. فالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها منها يتزايد والتوسع الإسرائيلي يتعاظم ورغم ذلك الصمت المطبق يلف العالم.
إن حل الدولتين يتلاشى وتختفي معالمه تدريجيا وبصورة متسارعة فهل ينتفض الفلسطينيون ويعيدون حقهم التاريخي الذي لن يجلبه غيرهم أم يظلون في سباتهم يتوكلون على مجتمع دولي مزدوج المعايير وعاجز يتكالب عليهم ويقف في صف عدوهم؟.

حروف جريئة

فخورون بمنتخبنا العسكري وأدائه الرائع في بطولة كأس العالم العسكرية الثانية لكرة القدم ونتمنى له المزيد من النجاحات والانتصارات وأن يظل يسعد جماهيره الوفية.
مشاركة السلطنة في معرض «مغامرو البحار من السندباد إلى ماركو بولو» دليل على اعتراف دولي بالإرث العظيم الذي نمتلكه في ارتياد أعالي البحار.
تعهد دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد أثناء إلقاء خطاب التنصيب بإعادة أمريكا ثرية وعظيمة وقوية وآمنة ستجيب عنه الأيام المقبلة.. وإن غدا لناظره قريب.
دمر تنظيم داعش معلما أثريا جديدا في تدمر السورية ليواصل سياسة محو الآثار التاريخية العظيمة التي تحدت الزمن منذ آلاف السنين.. متى يتخلص المتشددون من هذا الجهل الذي ينشر الإرهاب ويقضي على التراث ويروع الآمنين؟.

مسك الختام

قال تعالى: «وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين».