الفيدرالية والمقاومة التقدمية في أمريكا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٤٧ ص
الفيدرالية والمقاومة التقدمية في أمريكا

لورا تايسون وليني ميندونكا

شهد العام 2016 تصاعد الشعبوية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول المتقدمة الأخرى. ونتيجة ركود الدخل، والفرص الاقتصادية المتعثرة، وفقدان الثقة في التقدم زادت حالة الاستياء الشديدة، مما دفع الناخبين إلى تأييد المرشحين الذين وعدوا بإعادة السلطة إلى «الشعب» وتعديل الأنظمة التي أفسدها القادة السياسيون السائدون لصالح «النخبة» المتعفنة. وفي الولايات المتحدة، تم إشعال النار الانتخابية بسبب تزايد التنوع العرقي والتوترات العرقية، وتحول العادات الاجتماعية.

في الولايات المتحدة، بلغ انعدام الثقة لمدة طويلة في الحكومة الاتحادية ذروته مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر على الرغم من أن الرئيس باراك أوباما يتمتع بسند حكومي عال، فإن 19 %فقط من الأمريكيين يثقون بقدرة الحكومة الاتحادية للقيام بما هو صائب. ونظرا لأولويات الحزب الجمهوري التقليدية، التي تنعكس على خيارات حكومة الرئيس المنتخب ترامب، من المرجح أن يتم إلغاء برامج الحكومة الاتحادية (مع استثناء ملحوظ للجيش). ومن المفارقات أن خفض الإنفاق على الصحة والتعليم والتدريب، والبيئة، جنبا إلى جنب مع تخفيضات الضرائب الشخصية والتجارية الكبيرة، سيكون سببا في إثراء «النخبة» مستقبلا، وذلك ما سيضعف البرامج التي تعود بالنفع على غالبية الأسر.

ولن تختفي التحديات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية التي تناولتها البرامج الاتحادية. كما أن مسؤولية التعامل معها ستبقي عبئا أكبر على عاتق الولاية والحكومات المحلية، والتي سيكون عليها معالجتها بطرق مبتكرة. في الواقع، إن الإجابة على برنامج ترامب هي «الفدرالية التقدمية»: السعي وراء تحقيق أهداف السياسة التقدمية باستخدام السلطة الكبيرة المخولة للحكومات المحلية والجهوية في النظام الفيدرالي في الولايات المتحدة.
ولا تزال استطلاعات «غالوب» السنوية تظهر أن غالبية الأمريكيين يثقون بحكومات ولاياتهم بنسبة (62%) وبحكوماتهم المحلية (71%) في التعاطي مع المشاكل. وبينت دراسة منظمة بيو للعام 2014 أنه بينما كان 25%فقط من المستطلعين راضين تجاه السياسة الوطنية، كان 60%راضين عن الحكم في مجتمعاتهم المحلية. ويسمح دستور الولايات المتحدة للولايات بالعمل كمختبرات ديمقراطية كما قال القاضي برانديس، عن طريق تجريب سياسات مبتكرة دون تعريض بقية البلاد للخطر.

وهناك تاريخ طويل وغني من التجارب الناجحة. وكانت الحكومات المحلية وحكومات الولايات رائدة في إقامة نظم التعليم الابتدائية والثانوية الحكومية، فضلا عن الكليات والجامعات الحكومية. وسمحت ولايتا كاليفورنيا ووايومنغ، وولايات أخرى للنساء بالتصويت المثال الذي شجع إقرار التعديل التاسع عشر (منح حق التصويت لجميع النساء البالغات). وكان برنامج الرعاية الاجتماعية في ولاية ميشيغان وويسكونسن نموذجا لإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية الاتحادية في عهد الرئيس بيل كلينتون، ويستند برنامج الحماية التي أتى به أوباما على نظام الرعاية الصحية في ولاية ماساتشوستس، والذي قُدم تحت قيادة الحاكم الجمهوري ميت رومني.
وبالمثل، من العام 2000 إلى العام 2014، بسن مجموعة متنوعة من سياسات الطاقة -من خطط عمل المناخ لمعايير الطاقة المتجددة المنتدبة- خفضت 33 ولاية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع توسيع اقتصاداتها. وفي الآونة الأخيرة، قامت بعض الولايات بتقديم أنظمة الحد الأقصى والتجارة لوضع سعر على الكربون، ومعظمها بالفعل في الطريق لتحقيق أهداف خطة الطاقة النظيفة لأوباما. وصادق نصف جميع الولايات على ترخيص الماريجوانا الآن بشكل أو بآخر، ووافقت ثماني ولايات منها على الترخيص الكامل. وقامت ثلاث ولايات بتنفيذ القوانين التي تمنح إجازة مدفوعة الأجر للأسر، وهناك ولاية رابعة في الطريق. وقررت 19 ولاية في العام 2017 الزيادة في الحد الأدنى للأجور الخاصة بها.
والقائمة طويلة، ويمكن ملاحظة أمثلة ناجحة للفيدرالية التقدمية في مجالات متعددة، بما في ذلك الرعاية الصحية وإصلاح السجون والتعليم العالي والتدريب المهني وروح المبادرة، وحماية العامل والفوائد في «الاقتصاد المبني على وظائف مؤقتة»، ودفع مقابل نجاح العقود الحكومية. إن التعاون والتعاضد، والتفاهم -بين القطاعين الخاص والعام، والمنظمات الربحية وغير الربحية، وبين الجمهوريين والديمقراطيين- هي السمات الأساسية لكل هذه النجاحات. وتدعم أيضا أمثلة لا تعد ولا تحصى لابتكار السياسات والمشاركة المدنية على المستوى المحلي التي وصفها جيمس فالوز في مقال نشره مؤخرا وكتاب سيصدر قريبا.

لورا تايسون الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين لرئيس الولايات المتحدة، وليني ميندونكا هو المدير السابق لماكينزي آند كومباني