لماذا.. أنا؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
لماذا.. أنا؟

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

لماذا حُرمت من الأولاد؟

يحصل الجميع على عمل لائق سواي؟
ما سر حظي العاثر؟
لماذا ابتُليت بزوجة نكدية؟ ولماذا فشلت في الحصول على زوج يُعتمد عليه!
لماذا أصبت بهذا المرض؟ ولماذا فقدت هذا العزيز!
يعترض كثير منا -بشكل خافت- على قدره خشية الوقوع في الكفر.. ويرفع بعضنا عقيرته بهذا الاستياء في ساعات العسرة. ويتعاظم إحساس المرء بالسوء، عندما يرى أن «غيره» يعيش في وضع أفضل منه رغم أنه أقل منه استقامةً واستحقاقاً. نحن لا نستطيع محاورة القدر، ولا سماع ردوده وتبريراته. ولكن قصة لافتة في القرآن الكريم نعرج عليها كل جمعة تقول لنا إن النبي موسى عليه السلام قد فعل وسمع تبريرات القدر وما يُخفيه.
بدأت القصة عندما سأل بنو إسرائيل النبي موسى إن كان هو أعلم الناس فقال: بلى، ظناً منه أنه أعلم من على قيد الحياة. فعاتبه تعالى على ذلك وأنبأه بوجود من هو أعلم منه وهو الخضر عليه السلام، فما كان من النبي إلا أن ارتحل بحثاً عنه ليراه ويتعلّم منه.
الخضر في بعض الأحاديث ولي من أولياء الله، وهو في غيرها نبي، وأياً كان فقد كان قدراً ناطقاً يعمل بمشيئة الله «وما فعلته عن أمري». كانت لدى الخضر قناعة أن موسى لن يصبر على هذه الرحلة ودروسها الغامضة «قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا».
كان شرط الخضر الوحيد، هو ألا يستفهم موسى عن شيء وقد وعده بذلك وأخلف فوقع الفراق بينهما. لقد قتل الخضر غلاماً، وخرق سفينة لمساكين في البحر، وبنى جداراً في أرض قوم لؤماء بخلوا عليهم بالاستضافة. وكل تلك كانت أفعال أثارت استياء موسى. حتى تكلم الخضر وشرح له الحكمة من ورائها. فلا الأبوان الصالحان اللذان قُتل لهما ابن عرفا أنه كان سيرهقهما طغيانا وكفرا، ولا أدركا كذلك في ساعات الصدمة وفقد الابن أن الله سيعوضهما بابن صالح خير منه. ولا المساكين الذين تأخر رزقهم بسبب خرق الخضر لسفينتهم عرفوا أن هناك ملكاً/‏‏‏ قرصاناً يأخذ السفن غصبا وقد تجنبوا – بما نالهم من تأخير لإصلاح السفينة – اللقاء به ومصيراً أسود على يديه. ولن يعرف أيتام الرجل الصالح، الذي بنى الخضر جدارهم كي لا ينقض، أن الله أرسل لهم من يبني الجدار ليصمد حتى يشتد عودهم كي لا يكتشف اللؤماء كنزهم فيسلبونهم إياه.
إن القدر، والمشيئة الإلهية، تعمل بطريقة غامضة لا يمكن فهمها. شر آنٍ يتبعه خير مطلق. وما يبدو وكأنه عقاب قد يكون رحمة من نوع ما.
إن الخيار الأوحد لدينا أمام العجز عن مجابهة المحن والهموم، وفهم أبعادها، هو الاستسلام لهذا القدر والإيمان بأنه أفضل خيار - لنا- وإن لم يبدو كذلك الآن.