حديقةُ الحامة.. رئة الجزائر النابضة بالحياة

مزاج الجمعة ٢٠/يناير/٢٠١٧ ١٩:٠١ م
حديقةُ الحامة.. رئة الجزائر النابضة بالحياة

الجزائر - العمانية
حين أطلق بعض المختصّين في علوم الطبيعة لقب / رئة الجزائر العاصمة/ على حديقة التجارب بالحامة، لم يكونوا مخطئين، لأنّها تعدّ حقًا من أهمّ مصادر الهواء النقيّ للعاصمة التي تجاوز تعداد سكانها ستّة ملايين نسمة، ناهيك عن مصانعها وآلاف المركبات التي تجوب شوارعها يوميًا مع ما تُحدثه من ضوضاء وما تُطلقه من مواد ملوّثة للبيئة. لا يُمكن أن تكون مشاعر الداخل إلى حديقة الحامة كمشاعر الخارج منها، ذلك أنّ الأسوار المحيطة بها تُخفي مباهجها الآسرة وروائعها النادرة، حتى لكأنّها حين تكشف عن أسرارها يُخيّل لزائريها أنّها قطعةٌ من جنان عدن. وغير بعيد عن زرقة شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ترقد هذه الحديقة على مساحة تصل إلى 62 هكتارًا، بعد أن كانت مساحتها عند إنشائها في زمن الاستعمار الفرنسي (1832م) لا تتجاوز خمسة هكتارات. وتُعدُّ حديقة الحامة نموذجًا نادرًا للحدائق التي تمّ إنشاؤها خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بما تحتويه من أنواع النباتات والأشجار المختلفة، وحتى الحيوانات والطيور، حيث لا يوجد ما يُشبهها إلا في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكما تُشير المراجع التاريخية، أقدمت السلطات الفرنسية على إنشاء هذه الحديقة كحديقة تجارب، ليحصل المعمّرون الفرنسيون على النباتات وشتلات الأشجار المختلفة التي يحتاجونها في زراعتهم، بدلًا من تكبّدهم مصاريف وأعباء جلبها من فرنسا أو من أوروبا، وتؤكد بعض المراجع أنّ الحامة زوّدت المعمّرين والهيئات الفلاحية الفرنسية سنة 1834 بما يقارب 25 ألف نبتة، ليرتفع هذا العدد إلى 87 ألف نبتة سنة 1837. ومن أهمّ ميزات حديقة الحامة اعتدالُ مناخها، فدرجة الحرارة بها لا تقلّ عن 15 درجة في عز الشتاء إلا نادرًا، وفي فصل الصيف لا تتعدّى 25 درجة، ولهذه الأسباب تشهد الحديقة إقبالًا كبيرًا من طرف العائلات الجزائرية على مدار فصول السنة. وخلال جولة داخل أسوار الحديقة لاكتشاف كنوزها الطبيعية والحيوانية، التقت وكالة الأنباء العمانية أحمد غضبان، وهو مهندس في المجال الفلاحي، وسألته عن خصوصية هذه الحديقة، فأجاب: "لا تُعتبر حديقة الحامة كنزًا طبيعيًا لما تحتويه من أشجار نادرة وحسب، بل تستمدُّ أهميتها أيضًا ممّا توفّره للفلاحين والمزارعين من نباتات وأزهار تمدُّهم بها المربعات التي استُحدثت لزراعة الأزهار التجريبية وكذا البيوت البلاستيكية والمشاتل المنتشرة في أكثر من موقع داخل الحديقة". ويُؤكد غضبان أنّ "الحامة" تضمُّ أشجارًا يفوق عمرها 150 سنة، فضلًا عن كونها مقسّمة إلى حديقتين أولاهما على الطراز الفرنسي الكلاسيكي، وتقع على يمين الزوّار عند دخولهم من البوابة الرئيسية للحديقة، والثانية، وهي على الطراز البريطاني، يُمكن للزائر أن يقصدها حين يتّجه يسارًا. وتضمُّ الحديقة أنواعا متعدّدة من أشجار النخيل أشهرها البلميط، وأشجار البيلسان العريقة التي قد ترتفع إلى ثلاثين مترًا، إضافة إلى نبتة الكافور وشجر البامبو، فضلًا عن شجرة الجنكة، وهي من أنواع الأشجار التي تتحمّل التقلبات المناخية القاسية قرونًا عدة، إضافة إلى أشجار الخيزران والدلب. وعلاوة على ذلك يوجد في "الحامة" الكثير من فضاءات التنزُّه والمساحات الخضراء والبرك التي تُعدُّ المكان الأمثل لحياة طيور الإوز بأنواعها المختلفة. مباشرةً عند دخول الزوّار إلى الحديقة، تُقابلهم اللّافتات التي تمنع السير إلا في الممرّات المخصّصة لذلك، وإذا حدث وأن خرق أحدهم هذه القوانين الصارمة، وجد أعوان الحديقة بألبستهم المميّزة ينبهونه للحفاظ على ممتلكات الحديقة من نباتات وطيور ومساحات خضراء. ومن الفضاءات المهمة التي تتوسّط الحديقة، والتي يقصدها الأطفال خاصة، حديقة الحيوان التي تُعدُّ الأولى في إفريقيا، حيث أنشأها جوزيف دونج سنة 1900 على مساحة هكتار واحد، وكانت مخصّصة في بدايتها لترويض وتدجين الحيوانات المتوحشة المستقدمة من أدغال إفريقيا قبل تصديرها إلى أوروبا، كما ربّى الفرنسيون في هذه الحديقة الأغنام والنعام لبيع الصوف والريش والبيض. وتضمُّ حديقة الحيوان اليوم العشرات من الحيوانات كالأسود والغزلان والأرانب والثعالب، والطيور المختلفة كالنعام والطاووس وطيور الزينة. ومما يفخر به القائمون على شؤون هذه الحديقة أنّها كانت مسرحًا لتصوير لقطات من الفيلم العالمي الشهير "طرزان" لأول مرة سنة 1938، وكان بطل هذا الفيلم هو "جوني شيفلد".