قابلية أفريقيا للإصابة بالتطرف العنيف

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/يناير/٢٠١٧ ١٢:٤١ م
قابلية أفريقيا للإصابة بالتطرف العنيف

تتحمل أفريقيا العبء الأكبر من الخسائر البشرية والاقتصادات المدمرة والعلاقات المحطمة بسبب الإرهاب فهي القارة التي أطلقت فيها القاعدة حربها ضد الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1998 وذلك بتفجير السفارات الأمريكية في نيروبي، كينيا ودار السلام، تنزانيا وهي القارة التي اختطفت فيها بوكو حرام 276 طالبة نيجيرية سنة 2014 وهي القارة التي لقي فيها 147 طالبًا مصرعهم وهم نيام في جامعة جاريسا الكينية سنة 2015.

بينما جذبت تلك الهجمات اهتمام العالم فإن معظم الناس لم يدرك أنه خلال الخمس سنوات المنصرمة فقط لقي 33 ألف شخص مصرعهم بسبب أعمال العنف المرتبطة بالإرهاب في أفريقيا. إن التطرف العنيف والمجموعات التي تدعمه تهدد بعكس مكتسبات أفريقيا التنموية ليس فقط في المستقبل القريب بل لعقود عديدة قادمة.

إن الدول الأفريقية معرضة على وجه الخصوص للإديولوجيات العنيفة بسبب انتشار المؤسسات الضعيفة والأراضي التي لا تسيطر عليها الحكومة والتي تنشأ فيها المجموعات المتطرفة وإذا أضفنا لذلك سوء إدارة التنوع العرقي والديني ووجود أعداد متزايدة من الشباب العاطل عن العمل والذين يتواصلون رقميًا فإن كل هذا يعني أن القارة توفر ظروفا مثالية للفوضى.
لقد قامت الحكومات الإفريقية بمحاكاة دول في أماكن أخرى وذلك من خلال تعاملها مع التطرف العنيف وذلك بشكل رئيسي من خلال إعطاء الأولوية للأمن «القاسي» ولكن هذه الاستراتيجية لم تقلل من قوة المجموعات المتطرفة أو تحد من انتشارها وفي واقع الأمر هناك أدلة بأن الرد العسكري فقط يمكن أن يكون مضيعة للموارد أو حتى يكون ضرره أكثر من نفعه فالذي نفتقده هو بحث عميق في الأسباب الجذرية وخاصة التحديات التنموية الكامنة.

يدعي بعض الناس أن الرابط بين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتطرف العنيف غير موجود بدليل أن معظم المجتمعات الفقيرة والمهمشة لا تنضم للمجموعات الإرهابية ولكن هذا الجدل يفشل في التعامل مع قضية ذات علاقة وهي أن الفقر والتهميش الاجتماعي والحرمان من المشاركة السياسية هي عوامل تشكل تربة خصبة تحتاجها المجموعات المتطرفة وذلك حتى تتجذر وتنمو. إن السياسات وطرق الرد العملياتية على التطرف العنيف حول العالم تعتمد بشكل عام على النظرية عوضا عن استخلاص الدروس والعبر من الأدلة التجريبية الشاملة المتعلقة بالدوافع الشخصية والعوامل الهيكلية التي تدفع بالناس لارتكاب الأعمال الإرهابية.

لقد قمت مؤخراً بزيارة جالكايو في شمال الصومال لإجراء مقابلات مع مقاتلي حركة الشباب كجزء من دراسة حالية يجريها برنامج الأمم المتحدة للتمية تتعلق بجذور التطرف الأفريقي. إن الذي أثار انتباهي أن هؤلاء الشباب بصرف النظر عن كونهم مسجونين كان يبدو عليهم أنهم أناس طبيعيين تماما وإن طريقهم نحو التطرف لم يكن مبنيا بالضرورة على أساس ديني.
في واقع الأمر كان العامل الذي جمع متمردي حركة الشباب الذين تكلمت معهم هو تجربة مشتركة من الحرمان فلقد نشأوا في بيئة تحيط بها الصراعات ولم يعط أي منهم سبباً جيدًا لينظروا للحكومة على أنها قوة إيجابية في حياتهم وعندما سألتهم ما إذا كانوا قد ذهبوا لمدرسة حكومية لم يستطع معظمهم حتى أن يستوعب فكرة الخدمات التعليمية والصحية المجانية. إن هؤلاء الأطفال والبالغين الشباب هم نتاج لدولة ومجتمع فاشلين فلقد أمضوا حياتهم بأكملها في بيئة تشجع على التجنيد والاستغلال من قبل الإرهابيين.
وكما يصيب السل الجسم الذي أصابه الضعف والهون بالفعل بسبب مرض نقص المناعة المكتسبة فإن التطرف ينتعش في ظل الظروف المناسبة مثل تلك التي خلقها الصراع في الصومال أو في ظل الهشاشة السياسية والإهمال الاجتماعي في شمال شرق نيجيريا علما أن العديد من الذين تمت مقابلتهم فيها لم يحصلوا إلا في حالات نادرة على التعليم الديني أو العلماني.
إن الأبحاث الأساسية لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة والمتعلقة بدوافع المتطرفين الشخصية –المبنية على أساس 350 مقابلة مع متطرفين عنيفين نشطين سابقين في السجون والمراكز الانتقالية في الكاميرون وكينيا والنيجر ونيجيريا والصومال وأوغندا- هو المشروع الأكثر شمولية من نوعه في أفريقيا إن لم يكن في العالم بأكمله.
إن النتائج الأولية توحي بإن الإديولوجية خلف التطرف العنيف يتم تقديمها من خلال استراتيجية تسويق مرنه حيث تقوم المجموعات المتطرفة بتطويع رسالتها بما يتلاءم مع المجندين المحتملين فبالنسبة للعاطلين عن العمل أو الفقراء فهم يوفرون وظائف بأجر وللأقليات العرقية والدينية المهمشة فهم يقدمون الملاذ من خلال العنف وللطبقة المتوسطة فهم يقدمون المغامرة والشعور بالهدف والهروب من الرتابة والملل فالإديولوجية تغير من جلدها من أجل استغلال أوجه الضعف لدى المجند المحتمل.
تستهدف أبحاثنا والتي سوف تكتمل في أوائل سنة 2017 أن تلقي الضوء على الطرق التي سلكها الأفراد للوصول للتطرف وذلك من خلال كلمات وتصورات الناس الذين كانوا منخرطين في المنظمات الإرهابية في أفريقيا كما ستوفر أيضا للمجتمعات والباحثين الآخرين وصناع السياسات أدلة تجريبية من أجل صياغة تدخلاتهم المستقبلية على أساسها.
هناك شيء واحد نعرفه على وجه اليقين وهو أنه لم يعد من الممكن تجاهل الفقر وانعدام التنمية لو أردنا مكافحة التطرف العنيف بشكل فعال فالتعامل مع تلك القضايا عوضًا عن تقوية القدرات العسكرية وتلك المتعلقة بتطبيق القانون فقط يجب أن تكون على رأس أولويات أي إستراتيجية مقبولة.

منسق البرنامج الإقليمي في

أفريقيا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي