ماذا ينقص اليمن لتتوقف الحرب؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٩/يناير/٢٠١٧ ١٢:٤٠ م
ماذا ينقص اليمن لتتوقف الحرب؟

يثبت الزلزال المتفجر في اليمن أمرًا أكيدًا مفاده: أن هذا البلد الذي كان يوصف في الماضي بـ»السعيد» يعيش حالياً صراعاً شرساً بين خصوم محليين وإقليميين، وأن كل طرف من هذه الأطراف يمتلك من الأوراق ما يستطيع به إرباك الطرف الآخر، ولا نجد في الأمر مغالاة إذا قلنا أن مصير اليمن بات رهين أولئك الخصوم الذين يشعرون بأنهم لا يمكن أن يكونوا شركاء في اتفاق على المخرج المنطقي، الذي يفضي الى إيقاف نيران الحرب التي تشارف على الانتهاء من عامها الثاني لأن لكل طرف أجندته التي يسعى إلى تحقيقها عن طريق هذه الحرب التي نجحت فعليًا في إعادة اليمن إلى أزمنة القرون الوسطى بعد أن دمرت كل شيء فيه.

لا يمكن اليوم إقناع أهل اليمن بأن ما حصل وما زال يحصل عندهم مفصول عن الخارج الإقليمي والدولي فالغالبية منهم أصبحت متيقنة بأن لا أحد في هذا الخارج يأبه بمعاناتهم أو حريص على إيقاف الموت المبرمج الذي يطاردهم ويستشهدون هنا بالموقف الدولي السلبي من الأحداث الجارية في بلادهم وتعاطي الأمم المتحدة مع مسار الحلول وهو المسار الذي يرونه غير واضح المعالم إن لم يكن مسارًا يضع أنصاف الحلول ولا يكملها ولعل هذا الإحساس هو من يزيدهم يقيناً بأن العالم قد وضع اليمن على طاولة التشريح على غرار ما فعل مطلع تسعينيات القرن الفائت في الصومال، حين ترك هذا البلد يسقط في مستنقع الفوضى والانقسام والعنف والعنف المضاد سنة بعد أخرى الى درجة أن لا أحد في هذا العالم وبعد ربع قرن من انهيار الصومال يذكر أو يسأل أين هي الصومال الآن؟ ولاشيء يمنع أن يصبح اليمن صومالاً آخر على اعتبار أن البلدين يمثلان أضعف حلقتين في المنطقة.

لم تعد المسألة اليمنية كما جرى وصفها مسألة (انقلاب على السلطة الشرعية) بل تحولت بسبب تعاظم الاحتقان السياسي والانقسام المناطقي والجهوي والمذهبي وتداعيات الدمار المخيف الذي أحدثه الصراع المسلح الداخلي و(عاصفة الحزم) العسكرية التي يشنها التحالف العربي إلى كارثة حقيقية يصعب الخروج منها، خصوصاً أن الأمر لم يعد يتوقف عن تصدع الهوية الوطنية وبروز هويات ما قبل الدولة وانهيار بنية هذه الدولة المتهالكة وإنما الخطر الأكبر يتمثل في اندفاع البلاد عمومًا في منزلقات الفوضى الشاملة والتي تتجلى بعض صورها اليوم في إعلان بعض المحافظات الانضواء في أقاليم تتمتع بسلطة حكم خاص بها وتشكيل هذه المحافظات أجهزة أمن وألوية عسكرية من أبنائها كما هو حال جيش النخبة الحضرمية وألوية الحراك الجنوبي بعدن وأكثر من ذلك هي تلك القوات التي جرى تشكيلها من أبناء الجنوب للقتال في الشمال والذي يشعر أبناؤه أن هناك من يسعى جاهداً إلى تأليب الجنوب على الشمال والعكس أيضاً، بما في هذه المعطيات من خطورة على وحدة النسيج الاجتماعي الذي قد يتفتت إلى دويلات صغيرة تتقاتل فيما بينها أما على مناطق الثروة أو بدافع الثأر والانتقام.

يتأكد يومًا بعد يوم أن اليمن يسير بخطى متسارعة في اتجاه اللحاق بالأنموذج الصومالي حيث وإن السيناريو الذي يتكرر على أرضه يتواضع أمامه نظيره الليبي أو العراقي أو حتى السوري فالدول المتقاتلة على ساحته أو المتدخلة عسكريًا سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة هي مع الأسف دول إقليمية تتنافس على النفوذ وتخوض معركة (كسر عظم) ضد بعضها البعض دون أن تضع في حسبانها ما قد يترتب على سقوط اليمن في مهاوي الفوضى والانفلات بصورة لا تحكمها أية ضوابط أو خطوط حمراء من تهديدات على وحدة الدولة اليمنية مع أن هذه الفوضى إذا ما استشرت بشكلها الدموي فلن يكون الخاسر الوحيد هو الشعب اليمني، وإنما كل دول المنطقة التي ستكون أشبه بالرجل الذي سكت على حفر جاره للجدار المشترك بينهما معتقدًا وربما متجاهلا عن قلة حيلة أن مصير الجدار السقوط فوق رأسه وحده قبل أن يجد أن ما حل به من أذى يفوق الضرر الذي لحق بجاره. لا جدال في أننا أمام مشهد يمني مقلق جدًا كما يقول المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ فكل الأرقام تشير إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد، وإذا ما القينا نظرة على الأرقام فإنها التي ستدلنا على أسوأ مصفوفة لنتائج الحروب فهناك اليوم اكثر من 80% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر وما يزيد من 18 مليوناً من اليمنيين غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وفقاً لتقرير صدر في العام 2016 عن الأمم المتحدة وعلى الأرجح فان هذا العدد قد زاد من ذلك الحين كما أن هناك ملايين من اليمنيين فقدوا أعمالهم وصار البعض منهم يعملون إما مهربين أو مقاتلين أو في إطار اقتصاد الحرب ومن جانب آخر فإن البلاد صارت تعاني من كارثة صحية عامة فالأمراض التي كانت سابقا تحت السيطرة مثل التيفوئيد والسل والتهاب الكبد والكوليرا باتت أمراضًا متوطنة مرة أخرى كما أن شلل الأطفال الذي تم القضاء عليه سابقاً في اليمن عاد من جديد في ظل تراجع الخدمات الصحية الى أدنى مستوياتها.

ولا مجال هنا للحديث عن التدمير الشامل الذي تعرضت له البنية التحتية وكذا الخسائر البشرية وأعداد النازحين داخليًا وخارجيًا والأوضاع الكارثية التي يعيشها اليمنيون عموماً، إلا أنه وأمام هذا المشهد المقلق فإن السؤال الذي يتردد اليوم: ماذا بقي في اليمن حتى تستمر الحرب؟ والتي وإن حسمت لصالح هذا الطرف أو فعلى ماذا سيسيطر هذا الطرف المنتصر؟ إذا ما كانت اليمن قد تحولت الى صومال جديد فقد يكون لها ممثل في الأمم المتحدة ولديها سفارات في الخارج وأختام لجوازات السفر وعملة يتداولها المواطنون لكنها في نظر العالم كله ستكون دولة فاشلة لا معنى لوجودها وإذا كان هذا صحيحاً فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تترك هذه الدولة تتمزق وتنهار وتخسر تحت إيقاع الحرب شعبها الذي ستكون في أشد الحاجة إليه لإعادة البناء إذا ما حل السلام والاستقرار من جديد في ربوعها.